تفســير كـلام الـرب يســوع المســيح
خاص بالحق والضلال
كتبت:جاكلين رافت
قال السيد المسيح من لا يحمل صليبه ويتبعني لا يقدر أن يكون تلميذاً لي. فمن منكم، إذا أراد أن يبني برجاً، لا يجلس أولاً ويحسب النفقة ليرى هل يقدر أن يكمله، لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل، فيستهزئ به الناظرون إليه كلهم ويقولون: هذا الرجل بدأ يبني وما قدر أن يكمل. وأي ملك يخرج إلى محاربة ملك آخر، قبل أن يجلس ويشاور نفسه هل يقدر أن يواجه بعشرة آلاف من يزحف إليه بعشرين ألفا؟ وإلا أرسل إليه وفداً، ما دام بعيداً عنه، يلتمس منه الصلح. وهكذا لا يقدر أحد منكم أن يكون تلميذاً لي، إلا إذا تخلى عن كل شيء له.
اخوتنا الأحباء، يعتقد الكثيرون بأن اتباع المسيحية أمر بسيط وسهل، لأنهم يرون الحرية والعفوية التي يعيشها الشخص المسيحي، ويضنون أن مصدر هذه الحرية والعفوية هو قلة القوانين الصارمة وعدم وجود محرمات او عقوبات قاسية ومؤذية للخاطئ. ولكن الحقيقة هي ليست كذلك، فالمسيحية ليست مجرد قائمة من المطاليب او الوصايا، بل هي رحلة حياة ينتقل فيها الإنسان من الخطيئة إلى القداسة شيئاً فشيئاً. وهي اسلوب حياة صعب جداً لأنه يتطلب ان يحارب الإنسان نفسه وشهواته عندما تتعارض مع وصايا الله. فالسيد المسيح يقول بوضوح "لا يقدر أحد منكم أن يكون تلميذاً لي، إلا إذا تخلى عن كل شيء له (اي لم يكن له تعلق بشيء اكثر من المسيح)." وهو يدعو كل إنسان لفهم متطلبات اتباعه قبل أن يقرر أن يتبعه، وإلا فسوف يفشل في منتصف الطريق ولن يستطيع أن يكمل المسير. وهذا هو معنى صليب المسيحي، فالمسيحية هي اسلوب حياة يسير عكس تيار العالم، ولأنها تسير عكس التيار وتطلب من الإنسان ان يضحي بشهواته وملذاته بدلاً من اشباعها والعمل لأجلها، فهي صعبة جداً، وتتطلب محبة عظيمة لله ورغبة لتقديس وتطهير النفس من الخطيئة.
وتشبيه الحياة المسيحية بحمل الصليب هو تشبيه أكثر من رائع، اولاً لأن السير مع حمل الصليب هو رحلة صعبة لأن الصليب ثقيل، وثانياً في نهاية رحلة حمل الصليب سوف يصلب الإنسان نفسه (وليس جسده) ويميتها، فالنفس هي مركز الشرور لأنها تعمل بمنطق العالم وتجعل الإنسان يهتم بإشباع رغباته وملذاته. فالمسيحي الحقيقي عفوي لأنه غير متعلق بأي مصلحة مادية معينة يحسب لها الف حساب في كل تصرف يؤديه، وليست له أسرار او شرور مخفية يجب ان يحميها. وحريته بالتصرف لا تأتي من الإنفلات، بل من قلبه النقي البريء من الخطيئة، فهو يتصرف ضمن اطار القداسة ومحبة الله، وكل تصرف ضمن هذا الإطار هو طاهر ونقي ولا يحتاج إلى قوانين صارمة او مؤذية لردعه او إجباره على التصرف بطريقة معينة…
ولكن، هذا الكلام كله ينطبق فقط على من يختار أن يضع السيد المسيح في اول اولوياته، ويتخلى عن رغباته وملذاته عندما تتعارض مع وصاياه؛ وليس لمن يقول أنه مسيحي دون أن يفعل أي من ذلك. فالكثير من شهداء المسيحية استشهدوا مجرد لأنهم لم يقبلوا أن يسجدوا أمام تمثال امبراطور او حاكم، حتى لو كانت العملية كلها تمثيل، بل فضلوا ان يخسروا حتى حياتهم ولا ينكروا المسيح ولو شكلياً… فهل حسبتم احبائنا كلفة إيمانكم بالمسيح؟ وهل انتم مستعدين ليس فقط للتخلي عن الأمور المادية في سبيله، بل حتى التخلي عن المكانة الإجتماعية والكرامة والسمعة وكل شيء في سبيل اتباع المسيح؟ أم هل آمنتم بالمسيح فقط لأنكم رأيتم الحرية المسيحية واحببتموها او مجرد لأنكم نشأتم في بيئة مسيحية وهذا هو ما علموكم إياه؟… نترك السؤال لكم، وكل إنسان يعرف نفسه، ولكن المهم ان تكونوا عارفين لتكلفة اتباع المسيح لكي يكون قراركم بإتباعه او تركه نباع عن معرفة وليس عن جهل.