طبيعي أن توقع مصر وفرنسا اتفاقيات حول السياحة والإسكان ومشاريع البنية التحتية من صرف صحي واتصالات ومواصلات وغيرها لكن ما الذي يعنيه البلدان بالقول إنهما وقعا اتفاقيات تعاون عسكري وأمني؟ هل المقصود نظام تعاون عسكري للأقمار الصناعية كما قالت مصادر عديدة ؟ أم هو تعاون معلوماتي وأمني مشترك لمكافحة الإرهاب يصل إلى حد تشكيل قوات مشتركة للتدخل السريع ؟ أم هو كل ما سبق ؟ للإجابة علينا وبقراءة سريعة أن نعرف أن فرنسا هي من طاردت مسئولي العمليات الإرهابية في تونس وقبلها تحملت عبء محاربة الجماعات المتطرفة التي سيطرت على مالي ثم دفعت الثمن غاليًا في "شارلي إيبدو" وما بعدها في قلب باريس ثم يأتي تصريح هولاند اليوم فور وصوله إلى مصر بقوله إن فرنسا "تؤيد تسليح الجيش الليبي الشرعي" والمقصود جيش اللواء خليفة حفتر وهي الرؤية المصرية القديمة التي وقفت أمامها أمريكا بكل قوة بحجج مفضوحة أدت إلى الفوضى الشاملة في ليبيا اليوم ! واقع الحال يقول إن الاتفاق يتحدث عن نفسه دون أن يقول شيئًا ويرسل رسائله إلى هنا وهناك، ويؤكد ما قلناه قبل أشهر -كتابة وعلى الهواء في برامج مختلفة أهمها كان في القاهرة 360- بأن فرنسا خارج السرب الأمريكي الآن وأن خلافها مع إسرائيل حقيقي حتى قبل الصفقات العسكرية الأخيرة مع مصر ومنذ هدد السفير الإسرائيلي في فرنسا "يوسي جال" من أن فرنسا "ستدفع الثمن إن لم تسحب جمعيتها الوطنية الاعتراف بالدولة الفلسطينية" وبعدها ضرب الإرهاب فرنسا فعلا ! أمس قال راديو صوت أمريكا إن الاتفاق الفرنسي المصري يشكل رسالة قوية لأمريكا وأنه ولأول مرة تتفوق مبيعات الأسلحة بين مصر وإحدى الدول، حجم مشتريات مصر للأسلحة من أمريكا كما رصد "بيير تران"، المعلق الشهير لموقع "ديفينس نيوز" الفرنسي ! هولاند جاء إلى المنطقة بمشروع للحل السلمي بين العرب وإسرائيل بما يبرز الدور الذي تسعى إليه فرنسا وقد يرى البعض أن الوقت مبكرًا لإزاحة أمريكا من المنطقة إلا أن كلا من روسيا وفرنسا يدركان أن أفول أمريكا كقوة عظمى وحيدة بدأ بالفعل وكل منهما يحجز لنفسه مساحة لملء الفراغ الأمريكي! مصر تلعب على تناقضات المسرح الدولي وتستفيد بأقصى ما يمكنها شرقًا وغربًا فتتفوق في علاقاتها مع فرنسا في السلاح مثلما تجلى ذلك في صفقات الرافال والميسترال والفرقاطة الفريم ومع ألمانيا في محطات الكهرباء ومع روسيا في النووي والسلاح أيضًا ومع إيطاليا في الغاز والطاقة ومع الصين في المترو والطاقة كذلك وتبقى الاتفاقيات القديمة في الطاقة مع بريطانيا كما هي لا تقل ولا تزيد وتبقى أمريكا تتفرج دون ذرة ندم مصرية واحدة ! السياسة الخارجية لمصر تسير كما ينبغي وهي كلها تؤكد أن مصر اليوم ليست كمصر في العقود الأربعة الأخيرة وأنها تنطلق بقوه نحو ما تريد ويكفي تعليق بعض الصحف العالمية من أن مصر "وقعت مع فرنسا كل شيء دون أن توقف انتقادات حقوق الإنسان لمصر أي شيء" ! راجعوا مقالنا قبل ثلاثة أيام عن مخطط تظاهرات الجمعة. ستجدوا الكلام نفسه الذي فضحته الصحف العالمية اليوم لنتأكد أن المؤامرة مستمرة ومواجهتها وأصحابها مستمرة أيضًا !!