فاطمة ناعوت تكتب لصديق لها أول سنة يا بلبل ماحضرش أحد الزعف مع إخواتي
Nabil Shehata أول سنة يا بلبل ماحضرش أحد الزعف مع إخواتي
هذا العام سنذهب كعادتنا سويا ليلة الأحد.نحصد عيدان الزعف وسنابل القمح لتعلقينها بكفيكي فوق باب البيت كعادتك كل عامعند مساء السبت سأنتظرك .ونذهب معاكل عام وأحباءنا المسيحيون صائمون، يرفعون أياديهم إلى السماء ضارعين بالدعاء لكي يحمي اللهُ مصرَ ونيلَ مصرَ وشعبَ مصرَ من كل شرّ،اللهم تقبل عبادتكمأمين
----
طريــــــــــــقُ الآلام
وأنا طفلة، في مثل هذه الأيام الربيعية، كنا نجمع عيدان الزعف (السَّعف) ونتبارى في جدلها لنصنع أشكالا جميلة نعلّقها في غرفنا أو ندسّها تحت "بنورة" مكاتبنا، حتى تجفَّ، مع الفراشات الملونة التي نصطادها من حديقة المدرسة، ونُصبّرها (كم كنا قساةً في أمر الفراشات هذا!). وحين كبرتُ بات الحصول على الزعف صعبًا. فقد برحتُ مدرستي الرائعة التي يقف عند بابها باعةُ الزعف، وأصبح عليّ اللجوء إلى أصدقائي المسيحيين لكي يهدوني شيئًا منه. هذا العام قررتُ ألا أعتمد على أحد، فخرجت بالأمس واشتريت باقة من سنابل القمح المصري الفاتن، علّقتها على باب شقتي.
ونحن صغار، أيام الزمن الجميل، لم يكن يعنينا إن كان هذا عيدي أم عيدك! لم تدخل معاجمنا كلماتُ الفُرقة: مسلم-مسيحي. كنّا نفرح معًا ونلعب معًا ونحتفل بأعيادنا معًا؛ لأن مصرَ الطيبةَ تجمعنا معًا، وقبل هذا تجمعنا الإنسانية الواسعة. العقائدُ شأنُ الله، وكنّا نتأدبُ مع الله ولا نأخذ مكانه فنُدين كيلا نُدان. وكنّا ندرك أننا جميعًا نعبد إلهًا واحدًا، لأن لهذا الكون ربًّا واحدًا، كلٌّ يراه عبر منظوره، ففيمَ الخلاف؟!
أكتبُ إليكم يوم "أحد السعف" حيث تمتلئ شوارع مصر بسنابل القمح وجريد النخيل. ندعو الَله أن نصطفّ جميعًا، نحن المصريين، قلبًا واحدًا وحُلمًا واحدًا ويدًا واحدة تحمل أكاليلَ السَّعف لنستقبل بها مصرَ الحرةّ الكريمة حين تنبعث وتنهضُ من سقطتها، كما اصطفّ أهالي القدس الشريف، حاملين أغصان الزيتون والسعف لاستقبال السيد المسيح، رسول السلام والمحبة، عليه السلام، حين دخل أورشليم القديمة منتصرًا مكللاً بأوراق الغار.
أصدقاؤنا المسيحيون صائمون منذ خمسة وخمسين يومًا، يرفعون أياديهم إلى السماء ضارعين بالدعاء لكي يحمي اللهُ مصرَ ونيلَ مصرَ وشعبَ مصرَ من كل شرّ، كما ندعو لها في صلواتنا وصيامنا وتهجدنا. يجمعنا حبُّ مصرَ، وتجمعنا طريقُ الآلام القاسية التي تمشي عليها مصرُ الآن في وهنٍ ووجع لكن مرفوعة الرأس، تمامًا كما سار السيد المسيح، عليه السلام، هذه الطريق الوعرة من باب الأسباط حتى كنيسة القيامة، في مثل هذا الأسبوع من ألفي عام، حاملاً صليبَه الخشبيَّ الهائل، وحاملاً آلامه وجراحه ودماءه الطاهرة ورجاءه في خلاص البشر من شرور العالم، واضعًا إكليلَ الشوك على جبينه الوضيء النقيّ من الدنس، يقطرُ منه الدمُ المقدس الطاهر. وحين ظمِأ، قدّم له جندُ اليهود والرومان كأس الخلّ كي تخفَّ آلامه قليلا، لكنه رفض أن يحتسيه كي يتجرّع الألمَ إلى منتهاه، لقاء قوله الحقَّ في وجه سلطان جائر. ثم قام بتعزية المريمات وصبايا أورشليم المنتحبات عليه، طالبًا إليهن أن يبكين على أنفسهن لا عليه، مثلما أكادُ أسمعُ مصرَ في طريق آلامها تقولُ لبناتها: "يا بنات طِيبة، لا تبكينَ عليّ، بل اِبكين على أنفسكن وأولادكنّ.
بعد أسبوع الآلام هذا، سيحتفل إخوتي مسيحيو مصر بعيد القيامة، وسوف ندعو الله معهم أن يحتفل المصريون والعالم أجمع، بقيامة مصر العظيمة الخالدة من مواتها الراهن. كل سنة وأقباط مصر مسلمين ومسيحيين بخير وفرح وأمان ومحبة، ومصر في حرية وتحضّر.
فاطمة ناعوت
جريدة (الوطن)
٢٩ أبريل ٢٠١٣