أبريل.. شهر الزيارات التاريخية إلى مصر

الحق والضلال

لم يكن شهر إبريل شهرًا عاديًا على القاهرة وعلاقاتها في محيطها العربي، الإفريقي، والدولي، حيث كانت مصر على مدار الشهر الجاري محط اهتمام وزيارة من قبل قادة ومسئولين عرب ودوليين كبار، كما يرتقب خلال الأيام القليلة المتبقية من الشهر أن تستقبل القاهرة مزيدًا من القادة أيضًا.

وقد زار مصر خلال الشهر الجارى رئيس موريتانيا وخادم الحرمين الشريفين، إضافة إلى الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، والرئيس التوجولي فاوري أسوزيما جناسينجبي، وأخيرا زيارة الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد دولة الإمارات، إضافة إلى زيارات كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيرى، ونائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وجابريل زيجمار وزير الاقتصاد والطاقة، إضافة إلى مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بجدانوف.

ومن المنتظر وصول العاهل البحريني الأمير حمد بن عيسى اليوم إلى القاهرة، إضافة إلى العاهل المغربي محمد السادس، والذي يزور مصر نهاية الشهر الجاري، الأمر الذى يؤكد نجاح مصر في ملف العلاقات الخارجية، لا سيما فى الوقت الراهن، حيث تسعى مصر بقوة لاستعادة دورها الريادى فى المنطقة العربية والإفريقية، وهو ما يعزز ثقلها وحضورها الدولى أيضًا.
القاهرة منذ بداية شهر إبريل الجارى كانت على موعد مع أجندة أحداث كبيرة أكدت على الحضور المصرى البارز، وإن كانت في نفس الوقت رافقتها بعض الأزمات والإشكالات التي ستكشف الأيام عن أسبابها الحقيقية.
الرئيس الموريتانى يبدأ الرحلة
زيارات القادة المتتالية إلى مصر بدأت بزيارة هي الرسمية الأولى منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي رئاسة البلاد، كانت من نصيب الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، رئيس دولة موريتانيا، والتى بدأها فى الثانى من إبريل، بعد تأجيل للزيارة قارب الشهر.
وكانت البوابة قد انفردت بالإعلان عن زيارة ولد عبدالعزيز والتى كان لها الكثير من الأبعاد المهمة على الصعيدين العربى والإفريقى، والتى تزايدت أهميتها بعد أن أعلن عن استضافة موريتانيا لأول مرة فى تاريخها للقمة العربية فى دورتها السابعة والعشرين بعد اعتذار المغرب عن استضافتها، أو بالأحرى إعلانها رفض استضافتها قبل أسابيع قليلة من موعدها.
استضافة موريتاينا القمة يعنى أن هناك الكثير من الملفات المشتركة التى كان لا بد من بحثها على مستوى القيادة فى البلدين، لا سيما أن مصر هى الرئيس الحالى للقمة العربية، إضافة إلى ذلك فهناك كثير من الأمور المشتركة على صعيد العلاقات الثنائية، وكذلك على المستوى الإفريقى، وكان لموريتانيا دور فى عودة مصر للاتحاد الإفريقى.
وخلال الزيارة تم التوقيع على ست اتفاقيات ومذكرات للتعاون المشترك بين البلدين، على المستوى الاقتصادى والفنى والسياحى، إلى جانب التعاون فى مجال التنمية الإدارية، والتعاون الثقافى والفنى والمهنى، مع التوصية بدراسة مشروعات اتفاقات تعاون فى مجالات النقل الجوى والبحرى، والشئون الاجتماعية، وتقنيات الاتصال والمعلومات، والتعاون الإدارى والفنى والجمركى، والإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحاملى جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والعمل، والتعاون فى المجال القضائى والقانونى، والتعاون بين الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية وغرفة التجارة والصناعة والزراعة الموريتانية.
زيارة الملك سلمان الحدث الأهم عربيًا
وتعد زيارة خادم الحرمين الشريفين، برغم الأزمة الشعبية التى خلفتها مسألة جزيرتى تيران وصنافير، هى الحدث الأبرز الذى استضافته القاهرة ونال اهتماما وحضورا كبيرا على كافة المستويات والأصعدة الإقليمية والدولية، لا سيما أنها أسكتت كل الألسنة التى كانت تروج لحالة من الخصام أو القطيعة بين مصر والمملكة منذ تولى الملك سلمان منصبه خلفا للملك عبدالله، الذى وقف إلى جانب ثورة ٣٠ يونيو وساعد مصر فى مختلف المحافل الدولية.
وكانت زيارة الملك سلمان قد أرسلت بالعديد من الرسائل المهمة، وجاءت لتؤكد على حضور مصر وعودتها لتتبوأ مكانتها الإقليمية والدولية مجددًا، ولتبرز أن كلا البلدين هما بمثابة جناحى الأمة العربية التى بدون أى منهما لن يستقيم للوطن العربى حال.
وقد جرى خلال الزيارة التوقيع على ٢١ اتفاقية ومذكرة تفاهم بين مصر والمملكة، على كافة المستويات، كان أهمها إنشاء منطقة تجارة حرة فى سيناء، والذى يعتبر أول مشروع مرتبط بجسر الملك سلمان الذى سيربط بين البلدين، وإنشاء صندوق سعودى مصرى للاستثمار برأسمال ٦٠ مليار ريال بين صندوق الاستثمارات والكيانات التابعة له والمتفقة معه والحكومة المصرية والكيانات التابعة لها والمتفقة معها.
ومن بين الاتفاقيات بين البلدين أيضا مشروع محطة المعالجة الثلاثية لمياه الصرف، مشروع التجمعات السكنية بسيناء (المرحلة الثانية)، مشروع طريق محور التنمية بطول ٩٠ كم، واتفاقيات فى مجال الإسكان، والطاقة، والاستثمار وغيرها.
الرئيس التوجولى والتعاون الإفريقي
وعلى الصعيد الإفريقى جاءت زيارة الرئيس التوجولى، فاورى اسوزيما جناسينجبى، والذى تكتسب بلاده أهمية على الصعيد الإفريقى كونها البوابة الغربية للقارة المطلة على خليج غينيا.
وشهدت الزيارة والقمة الثنائية بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره التوجولى بحث سبل التعاون بين البلدين خاصة على الصعيد الاقتصادى، فيما يتعلق بالتبادل التجارى ومشروعات البنية التحتية، كما جرى الاتفاق على التعاون فى المجال البحرى بين ميناء لومى وهيئة قناة السويس.
وفى إطار العضوية المشتركة للبلدين فى مجلس الأمن والسلم الإفريقى فقد جرى بحث العديد من الموضوعات على الصعيد الإفريقى، وسبل مواجهة التحديات المشتركة لا سيما على المستوى الأمنى، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
يذكر أن توجو ستستضيف قمة استثنائية للاتحاد الإفريقى فى لومى أكتوبر القادم، وهو الأمر الذى جرى بحثه أيضا خلال القمة الثنائية بين الرئيسيين وأشاد الرئيس السيسى بمبادرة توجو لاستضافة أعمال القمة، أملا فى أن تكلل أعمالها بالنجاح وتسهم فى تعزيز أمن واستقرار القارة الإفريقية.
أولاند وبعد دولى قوي
وعلى المستوى الدولى جاءت زيارة الرئيس الفرنسى، فرانسوا أولاند، إلى مصر والتى كانت هى الزيارة الرسمية الأولى له إلى مصر بعد مشاركته فى افتتاح قناة السويس الجديدة العام الماضى.
وجاءت زيارة أولاند لتزيد حالة الترابط والتطور فى العلاقات بين البلدين فى ظل حالة التقارب الكبيرة على مستويات مختلفة.
وقد شهد أولاند خلال الزيارة توقيع عدد من اتفاقيات التعاون المشترك فى مختلف المجالات ومن بينها: إعلان نوايا للتعاون فى مجال النقل، تعاون فى مجال الطاقة والطاقة المتجددة لإنشاء محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية بقدرة ١٠٠٠ ميجاوات، وفى مجال الغاز التعاون بين شركتى Engie وإيجاس Egas للتغذية بالغاز فى مصر، تعاون فى مجال التدريب المهنى وتقديم الدعم لبرامج عديدة، تعاون فى مجال الرعاية الاجتماعية ودراسات لوضع منظومة تأمين صحى يغطى جميع المصريين، التعاون فى مجال السياحة، لا سيما بخصوص تسهيل الحركة السياحة، تعاون بين وزارتى الثقافة بالبلدين خاصة فيما يتعلق بتعميق المبادلات الثقافية والتعاون بين المتاحف، وإعلان نوايا بين معهد العالم العربى والوزارات المصرية المعنية من أجل تحضير معرض عن قناة السويس فى ٢٠١٨، إعلان نوايا للتعاون فى المجال العسكرى / مجال الفضاء .
محمد بن زايد وشراكة مصرية إماراتية
وعلى جانب آخر جاءت زيارة الشيخ محمد بن زايد، ولى عهد أبوظبى، إلى مصر، الخميس، لتوجه العديد من الرسائل حول موقف الإمارات الداعم لمصر، واستمرار دعمها لمصر وبحث سبل دعم العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
وقد رافق بن زايد فى الزيارة القصيرة التى جاءت فى أعقاب مشاركته فى القمة الخليجية الأمريكية والتى استضافتها الرياض، وفد يضم الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولى، وعلى بن حماد الشامسى نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطنى، وخلدون خليفة المبارك رئيس جهاز الشؤون التنفيذية، ومحمد مبارك المزروعى وكيل ديوان ولى عهد أبوظبى، والفريق الركن مهندس عيسى سيف بن عبلان المزروعى نائب رئيس أركان القوات المسلحة، ومحمد بن نخيرة الظاهرى سفير الدولة لدى مصر.
وفى ختام الزيارة جاء الإعلان عن تخصيص أربعة مليارات دولار لدعم مصر على قسمين الأول على شكل استثمارات، ويودع الثانى فى البنك المركزى المصرى لدعم الاحتياطى النقدى.
وقد أكدت الإمارات على أن المليارات الأربعة تأتى فى إطار التعاون والتنسيق الاستراتيجى بين البلدين ومن منطلق موقفها الثابت فى دعم مصر وتقديرًا لدورها المحورى فى المنطقة.
نائب ميركل وحقوق الإنسان
وقد شهد إبريل أيضا زيارة زيجمار جابريل، نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد والطاقة إلى مصر، والتى التقى خلالها الرئيس السيسى وخرج بعد اللقاء ليؤكد أن مصر تخطو خطوات واسعة نحو تحقيق الديمقراطية، وأن ألمانيا ترتبط مع مصر بصور من التعاون المختلفة، وأن الأساس الراسخ للعلاقات المتبادلة على المستويين الرسمى والشعبى بين مصر وألمانيا، على الرغم من وجود بعض الاختلافات، هو ما يمكن ألمانيا من التحدث بصراحة عن موضوعات عديدة منها حقوق الإنسان وحرية التعبير، لافتا إلى أن حواره مع الرئيس السيسى فى هذا المجال كان منفتحًا.
وقال نائب ميركل بأن مساعدة ألمانيا لمصر لن تكون على المستوى الاقتصادى فقط وإنما هناك جوانب أخرى تقدم عبرها المساعدة لمصر، لافتًا إلى أنه لا توجد قيود أو عقبات أو تعقيدات أمام التسليح الألمانى لمصر.
مبعوث الرئيس الروسى والأزمة السورية
وقد شهدت القاهرة خلال الشهر الجارى أيضًا زيارة لمبعوث الرئيس الروسى للشرق الأوسط ميخائيل بجدانوف، ووالتى جاءت ضمن جولة أجراها لدول فى الشرق الأوسط فى إطار بحث تطورات الأزمة السورية لا سيما قبيل انطلاق أعمال الحوار السورى - السورى الذى انطلقت أعماله منتصف الشهر فى جنيف.
وكان بجدانوف قد بحث تطورات الوضع السورى مع وزير الخارجية سامح شكرى، ونبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية، إضافة إلى عدد من الشخصيات السورية المعارضة الموجودة فى القاهرة على رأسها أحمد الجربا، رئيس الائتلاف السورى الأسبق، ورئيس تيار الغد السورى، إضافة إلى عدد من الشخصيات السورية التى شاركت فى مؤتمر القاهرة لتوحيد المعرض.
جون كيرى وزيارة خاطفة
وفى زيارة خاطفة زار وزير الخارجية الأمريكى، جون كيرى، القاهرة، حيث التقى نظيره سامح شكرى، وأعقب ذلك بلقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث جرى بحث تطورات الأوضاع فى المنطقة، إضافة إلى بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث أكد الجانبان حرصهما على الارتقاء بالتعاون الثنائى على جميع الأصعدة.
كيرى خلال الزيارة أكد أهمية الدور المصرى، لا سيما أنها تعد شريكا مهما لبلاده، والتى تدرك أهمية دورها المحورى فى المنطقة باعتبارها ركيزة أساسية للسلام والاستقرار.
كما أكد وزير الخارجية الأمريكى حرص بلاده على مساندة مصر من أجل التغلب على ما تواجهه من تحديات أمنية أو اقتصادية، مشيرًا إلى اهتمام الإدارة الأمريكية بدعم الجهود المصرية فى مجالى التنمية الاقتصادية ومكافحة الإرهاب الذى يمر به عدد من دول المنطقة، لا سيما تطورات الأوضاع فى ليبيا وسوريا، فضلًا عن الجهود الإقليمية والدولية التى تُبذل من أجل التوصل إلى حلول سياسية تؤدى إلى استعادة السلام والاستقرار بتلك الدول والمنطقة بأكملها.
استعدادًا لاستقبال العاهلين البحرينى والمغربي
وتستقبل القاهرة اليوم الإثنين العاهل البحرينى، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذى يحل ضيفًا على القاهرة تلبية لدعوة رسمية من الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث يجرى بحث كافة الأمور الخاصة بالعلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى تطورات الأوضاع فى المنطقة. وتكتسب الزيارة أيضا أهمية كبرى لا سيما أنها تأتى بعد القمة الخليجية الأمريكية، فى وقت تشير فيه المؤشرات إلى سعى الدول الخليجية إلى تغيير موقفها وشراكتها مع الولايات المتحدة، لا سيما بعد موقفها من إيران، بالرغم من تأكيدات أوباما على عدم المساس بدول الخليج.
ومن المنتظر أن يزور القاهرة أيضًا نهاية الشهر الجارى العاهل المغربى جلالة الملك محمد السادس، والذى يجرى جولة خليجية فى الوقت الراهن، بدأها بالرياض، حيث عقدت قمة خليجية مغربية، قبيل القمة الخليجية الأمريكية، وسط أجواء تشير إلى تحرك خليجى مغربى من أجل تفعيل نوع جديد من الشراكة الاستراتيجية.
وقد توجه محمد السادس عقب الرياض إلى الإمارات، حيث يجرى جوله خليجية تشمل الكويت، والبحرين وقطر، ومن المقرر أن يختتم جولته بزيارة مصر، والتى يترقبها المتابعون منذ العام الماضى، حيث سبق أن وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى الدعوة له لزيارة مصر، وهى الزيارة التى تعد الأولى.

نقلا عن البوابه نيوز

          
تم نسخ الرابط