رامى رضوان يكتب فلتقل ما يريدون فقط.. أو تُسب!
بقلم رامى رضوان
أى نعم هذا شعار العديد من المصريين الآن. لقد أصبحنا "كلنا متطرفين"! ومن يقول غير ذلك فإما يحاول تجميل الواقع المرير، وإما يعيش فى عالم موازٍ.
دعنا نستثنى من هذا التعميم، فئة انتقلت بجدارة من التطرف فى الرأى إلى الإجرام والقتل والحرق والتخريب وهو ليس جديدا عليهم بالمناسبة، والتاريخ فيه من الشواهد ما لا حصر له. لكن من أتحدث عنهم هنا فى السطور التالية: المتطرفون فى آرائهم، وهم نوعان. نوع وصل بتطرفه إلى السباب الذى لا ينتهى ونوع ما زال فى منطقة ما قبل السباب وندعو الله ألا ينحدر إلى مستوى النوع الأول.
كثيرا ما أنشر خبرا ما أو معلومة موثّقة على صفحاتى الخاصة على تويتر وفيس بوك وكثيرا ما أجد بعدها معارك تشن من بعض المستخدمين، إما معى شخصيا وإما فيما بينهم، رغم أننى أتعمد ترك صفحاتى مفتوحة للجميع، حتى أسمع وأتابع كل الآراء ورغم أنى دائما أؤكد سعادتى بالحوار مع المختلفين معى فى الرأى قبل المتفقين، إلا أن العراك والتهكم أصبحا الأسلوب الغالب ناهيك بمجموعة من السباب والبذاءات البكابورتية (النوع الأول) من شباب وشابات آه والله زى مابقولك كده شابات.
والمضحك المبكى أن بعض أصحاب هذا المنهج يظنون بكل جهل أن تلك هى الحرية. فحريتهم هى أن يكتبوا ما يريدون ولكن عليك أنت أن تكتب ما يريدون هم وليس قناعاتك أنت. وإن كتبت ما يختلف عن رأيهم، فحريتهم فى هذه الحالة هى أن ينهشوا فيك ويخرجوا ما يحتويه قاموس البذاءات فى وجه كل مختلف معهم. طب حرية إيه الهباب دى؟
ألم يعلّمهم عاقل أن حرية الشخص تنتهى عند بداية حرية الآخرين أى إن حرية الشخص لا تعنى بأى حال التعدى على حرية الغير. مش مهم المهم "أن تقول ما يريدون فقط أو تُسب".
أصحاب تلك المدرسة هم النوع الأول وهؤلاء للأسف لا أمل فيهم. سيظل أغلبهم جهولاً وبلا أخلاق وذلك عن تجربة حيث إننى حاولت مرارا ان أحوّل دفة حديثهم لحديث محترم وراقٍ يخلو من قاموسهم العفن لكن تأكّد لدى أنهم يستمتعون بالمكوث فى قاع الوحل، ولا يريدون الخروج منه. فهنيئا لهم بعيدا عنا.
أما النوع الثانى وهو بالمناسبة النوع الغالب فى مجتمعنا اليوم هم المتطرفون فى آرائهم، لكن لم يفقدوا أخلاقهم واحترامهم لذاتهم.
هؤلاء يا سادة تجدونهم فى كل المواضيع فى الرياضة والسياسة والدين وحتى الفن. وأثق أن معظمنا رأى ذلك بوضوح حينما كتب تغريدة على تويتر مثلا، أو نشر رسالة على فيس بوك.
عن نفسى، يتكرر معى ذلك بشكل شبه يومى. فى بعض الأحيان أنشر خبرا إيجابيا حقيقيا من أجل إسعاد الناس، وفى المقام الأول لأنه واجبى من الناحية المهنية، وأيضا من الناحية الوطنية، فى ظل كمّ الأخبار السلبية الموجودة. أنشر يا عزيزى خبرًا من هذا النوع فأجد البعض يشكك فيه، والبعض الآخر يتهكم عليه، وفريق آخر يجتهد فى تصنيفى إعلامى النظام، متحدث باسم الحكومة، منفصل عن الشارع أو عن الواقع أو الاثنين معا، مطبّلاتى، أو غيرها من التصنيفات من نفس العينة.
أتعجب حينها وأسأل نفسى: هل يجب ألا أنشر ما هو إيجابى؟ هل علىّ أن أنشر السلبى فقط؟ أليس علينا جميعا أن نذكر الجيد كما نذكر السىء؟ ولماذا يحكمون على شخصى ومهنيتى من رسالة واحدة أو تغريدة واحدة، بينما يتجاهلون النقد الذى أنتقده فى أحيان أخرى؟ مش مهم كل ده المهم: "أن تقول ما يريدون فقطأو تصنّف"!
ونفس المنهج وذات السيناريو يحدث حينما أنشر خبرا سلبيا، وأكتب لأنتقد مسؤولا ما فى سياسته أو تصريحاته أو منهج عمله أو نتائج عمله. حينها يدخل المتطرفون من الناحية الأخرى لينتقدوننى أو يصنفوننى بطابور خامس أو شخص يريد هدم البلد أو لا يعجبنى العجب أو لأن البلد مش مستحملة، أو يأخذون الموضوع لما هو أبعد وأوسع، مثل الإعلام كله أسود أنتم إعلام العار، إلى آخره.
وقتها أتساءل أيضا: أليس علينا جميعا أن نقول للمخطئ إنه مخطئ من أجل مصلحتنا جميعا؟ أليس علينا أن نقوِّم أى شخص لكى يقدم الأفضل؟ أم علينا أن نصمت عن الخطأ؟ هل علينا تجاوز أى إخفاق؟ كيف نريد أن ننجح إذًا؟! مش مهم المهم: "أن تقول ما يريدون فقط أو تصنّف"!
لقد أصبحنا كمجتمع متطرفين بالفعل.
كلٌ منا أصبح لا يتحمل الآخر صاحب الرأى المختلف. كثيرون لا يطيقون الاستماع إلى أو قراءة أى خبر أو معلومة تختلف مع قناعاتهم. ومن يتجرّأ على قول ما هو مختلف، تطاله ألسنة من اللهب، وتبدأ حرب عليه لمجرد أنه "قال" لمجرد أنه تحدث. لقد أصبح العديد من المصريين يرفعون شعارا واحدا فى وجه الآخرين "فلتقل ما أريده فقطأو تُسب أو تُصنّف!!"، لكن لو أرادنا خالقنا أن نكون جميعا نسخة واحدة لفعل، إنما حكمته أن نكون مختلفين حتى يرى الدنيا كلٌ منا من زاوية مختلفة، فتكون هناك رؤية أشمل لأى موضوع لمن يريد أن يراها، ولمن يستطيع بكل مرونة وعقل وتعقل الاستماع والتحاور مع المختلفين عنه.
عن نفسى، أسعد بالاستماع للمختلفين عنى، حتى أرى أى موضوع من زوايا عديدة. ومهما كانت الهجمات ضدى وضد آرائى أو الأخبار والمعلومات التى أنشرها لن يدفعنى أى شخص للتراجع عن نشر الإيجابى والسلبى والإشادة بأى إنجاز أو انتقاد أى فشل.
لن أكون متطرفا بإذن الله ولن أقول لك ما تريد أن تسمعه فقط.