الاميرة ارمانوسا بنت جرجس اخر اميرات مصر 1105159

الحق والضلال
بقلم أحمد تاج

في تاريخنا المصري فصول باكملها تم محوها من ذاكرتنا عنوة , ربما لصالح موجة تعريب مصر المستمرة من الفتح الاسلامي ( ابان عام 640 ميلادية تقريبا و حتى الان ) و محو كل ما يربط مصر بالعصر المسيحي و الذي يعد احد الروافد الاساسية لثقافتها الحالية الى جانب العصور الفرعونية و البطلمية و الاسلامية و العثمانية و خلافه .

ما يعنيني هنا هو الحديث عن اميرة مصريه و تحديدا آخر الاميرات المصريات الشريفات . و بلفظ شريفة هنا انا اعني شرف الكلمة و شرف الايمان و شرف الوطن , لا المعنى الضيق للشرف و لكن المعنى الاعم .

انها آخر اميرة مصرية خالصه بلا اي اختلاط في نسبها لاي عرقية اخرى … الاميرة ارمانوسا بنت جرجس بن مينا كوبوس ….

عرفنا جرجس بن مينا كوبوس في التراث الاسلامي خطأ تحت اسم المقوقس . و هو حسب التأريخ الاسلامي ( الذي اختلط فيه مع الاسف التاريخ بالتراث بالعقيدة فجاء سلسا مترابطا في جهة الدين لكن به كثيرا من التشويش من حيث التأصيل التاريخي ) حسب التأريخ الاسلامي ف المقوقس هو الحاكم الروماني لمصر .

دعوني في البداية اخبركم من هو المقوقس .

كما ذكرت سلفا فان المقوقس هو جرجس بن مينا كوبوس و نلاحظ من الاسم انه مصري خالص مما يؤكد ان صاحبه مصري و ليس يوناني فلم يوجد في الكون كله من تسمى بأسم ( مينا) سوى المصريين …. و لقد استخدم المقوقس لفظ التفخيم اليوناني ( موكاكيس) بمعنى المفخم . فظل يحمل هذا اللقب الذي اعطاه لنفسه بغير حق بكونه اسمه بينما اختفى اسمه الاصليي بين طيات المراجع التاريخية و البرديات المتحفية . و تم تعريب لفظ موكاكيس الى المقوقس كما تم تعريب لفظ هاكبتاح الى قبط ….

على كل … كان جرجس رجلا خائنا لكل ما يربطه بوطنه مصر . فيذكر التاريخ انه لم يكن يتبع الملة المصرية في الايمان المسيحي ( سميت فيما بعد بالملة القبطية نسبة الى مصر كارض القبط و اسمها الديني الرسمي المعروف هو الكرازة المرقصيه) . بل ان جرجس كان يتبع الكنيسة الرومانية تقربا منه للمحتل الروماني حين كانت مصر ولاية من الولايات الرومانية . و يذكر التاريخ انه كان يتأفف الى حد التقذذ بكل ما هو مصري على عكس ابنته ارمانوسا التي كانت مصرية خالصه فخورة بمصريتها و لا تخلع على ذاتها صفات رومانية كأبيها .

و لانه كان واليا من خمسة و لاه يحكمون ربوع مصر ( ثلاثة منهم مصريين مدنيين و هم آمون و جرجس و شنوده و اثنان عسكريان من الرومان) فكان جرجس بن مينا كوبوس ( المقوقس) يحلم بحكم مصر منفردا . لذا فقد قام في البداية بمحاولة فصل مصر عن الامبراطورية مستغلا ضعف هرقل ( امبراطور الروم) و امتنع عن دفع الضرائب و الجزية الى الامبراطورية في ولايته و ان لم يتوقف عن جمعها من المصريين و هو ما جعل المصريون آكيدون انه لا يفعل ذلك بدافع وطني بل كنوع من الاستغلال اللا منتهي .

و كانت خطوته التالية هي الاستقواء بالدولة الاسلامية الحديثة النشأه و لذا فقد بعث الى (محمد صلى الله عليه و سلم) الرسائل و الهدايا و التي نعرف اهمها في التراث الاسلامي و هي (ماريا القبطية و اختها سيرين) و قد استولد الرسول ماريا القبطيه ابنه ابراهيم و قيل في بعض المواضع انه تزوحها ( لكن ليس هذا موضوعنا) .

و ظل هرقل على ضعفه و ظلت العلاقة الودية ( لم تتخطى الود على المستوى السياسي لا الشعبي) بين جرجس بين مينا و الدولة الاسلامية الحديثة حتى بدأت الدولة الاسلامية في استعداء الرومان بشكل مباشر ابان عصر الخلافة العمرية ( نسبة لعمر بن الخطاب) و بدأت بوادر ازمة بين الدولتين … دولة الشرق القوية اليافعة . و الامبراطورية العجوز و التي تقاوم من اجل البقاء مستعينة بمواردها المالية اللا منتهية و جيوشها الجراره . عندها تفتق ذهن جرجس عن مخطط … و هذا المخطط كان ابنته ارمانوسا و التي اشتهرت بأسم ارمانوسا المصرية . تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال .

عرض جرجس بن مينا كوبوس على الامبراطور هرقل ان يخطب ابنته الى ابن الامبراطور قسطنطين وريث عرش ابيه و حاكم ولاية قيصرية ( جهة فلسطين). و نفس الوقت بعث الرسائل الى المسلمين يأمنهم اذا ارادوا الدخول الى مصر ( كبديل سياسي حاكم) فكان يعتقد ان العرب اذا دخلوا مصر لن يحاولوا ان ينالوا منها سوى بعض الخراج و تبقى بحكمها و ثرواتها تحت يديه بعد ان يتخلص من شركائه في الولاية ( آمون و شنوده) . و ان هزموا فله شريك و صهر هو هرقل عظيم الروم .

و بالفعل تم الاتفاق على تسافر ارمانوسا الى ( العريس المنتظر) في ولايته ( قيصرية) ناحية فلسطين الحالية . بينما الجيوش العربية في طريقها نحو مصر تحاول انتزاعها من يد الرومان ….

و هنا فيجب ان نفرق بين المعتقدات المختلفه …. فينقل لنا التراث الاسلامي ان المصريين بعثوا مستنجدين بالعرب من الرومان … و ينفي التاريخ هذه الحقيقة حيث لم يكن للرومان قوة حقيقية في هذه الحقبة اللهم الا من حاكمين عسكريين يديران شؤن الجيش النظامي … المعتقد الاخر يخص المصريين الذين اعتقدوا في اول الامر ان العرب جاؤا ليعاونوهم في تحرير مصر و لم يعتقدوا انهم اتوا ليبقوا … و حين تأكدوا من بقائهم بل و فرضهم الجزية و الدين …بل و الجزية حتى على المصريين ممن اتبعوا الاسلام . فقد تلا ذلك الاكتشاف العديد من الثوارت التي قام بها المصريون عبر التاريخ ضد الحكم العربي و التي تجلت في اقوى صورها في ثورة البشموريين و التي كادت ان تطيح بالحكم العربي من شمال افريقيا كافة في عهد الخليفة المأمون ( لكن هناك تعمد لخفاء هذه الحقيقة التي لا يمكن نكرانها كي نعتقد اننا استقبلنا العرب بالورود و سعف النخيل ) … المهم

حينما وصل موكب العروس الى القنطرة ( في منطقة الاسماعيلة الحالية و الفرما السابقة) وصلتها اخبار المعركة بين زوجها المستقبلي ( قسطنطين بن هرقل) و بين جيوش المسلمين في قيصرية و نية المسلمين التوجه الى مصر .

فخلعت رداء الاميرة العروس و لبست رداء الفارسة المحاربة . و نصبت مركزا لقيادتها معركتها ضد العرب في بلبيس تقوم بالكر و الف منه و اليه و ارسلت الى ابيها تطلب المدد و العون بينما سعت هي الى جمع اكبر عدد من الفلاحين و السكان لتكون منهم كتيبة نظامية تدافع بها عن الحدود في ظل غياب اي جيش مصري او روماني .

لكن جرجس بن مينا كوبوس تجاهل استغاثة ابنته بل انه كان على استعداد للتضحية بها كي لا يفسد مخططه بالاستفاده من الحرب الدائرة … اذا انتصر العرب فهو حليفهم و اذا انتصر الرومان فهو صهرهم .

من مكانها بدأت ارمانوسا في قيادة جنودها الغير مدربين ضد عمرو بن العاص الذي تجاوز الفرما ( الاسماعيلية) و اقترب من بلبيس . و عليه فلقد ظلت تشن ضده حربا و تقاوم عبوره لمدة ذادت عن الشهرين ظل عمرو بن العاص يحاول فيها حصار بلبيس . و لما انتصر في النهاية على جيشها الصغير قرر باخلاق الفارس العربي ان لا يؤذيها فلقد اظهرت له بسالة و شجاعة لا مثيل لها . الى جانب ان اخلاق العرب لم تكن تسمح بقتل سيدة حتى و ان كانت محاربة … و يشكك بعض المؤرخين في تلك الخصال زاكرا ان ابن العاص لم يؤذ ارمانوسا فقط لاعهده مع ابيها .

بعد دفاع استمر لشهرين سقط جيش ارمانوسا المصرية و اعادها العرب بعد ان شهدوا لها بالبسالة الى ابيها في بابليون… و من النصوص القديمة التي تذكر دعوة ارمانوسا لمواطنيها المصريين لمعاونتها نذكر لكم

( هيا نخضب ايدينا بدماء الاعداء بدلا من خضاب العرس, و نشرب من جماجمهم بدلا من كاسات الذهب. دعونا نطرب آذننا بصوت خباشنا- الخباش هو السيف المصري- و سيوفهم , و صليل جيادنا و جيادهم , بدلا من صوت الدفوف و المعازف . و اذا التقت العين بالعين و الخباش بالسيف و على وطيس الطعن فاسمعوهم صراخنا في وجههم و موتوا من اجل وطنكم )

تم ذكر الاميرة ارمانوسا المصرية في مراجع الكنيسة القبطية و مراجع بوتشر لتاريخ مصر و في رواية الاديب الشهير جورجي زيدان ارمانوسا اميرة مصرية يخلدها التاريخ رغم التجاهل ( المغرض)

اخر اميرات مصر الشريفات .

          
تم نسخ الرابط