غلطة العمر لقداسة البابا شنودة

الحق والضلال

كل انسان معرض للخطأ, وقد يخطئ. وجلَّ من لا يخطئ.

ولكن غلطة معينة قد يرتكبها شخص, وتظل محفورة فى ذهنه, لا ينساها, وقد لا ينساها له الآخرون. هى غلطة لا علاج لها, وتستمر نتائجها إلى مدى طويل. إنها غلطة العمر.



***

خيانة يهوذا مثلاً: لا شك أن ذلك الشخص كانت له أخطاء كثيرة فى حياته. ولكن خيانته كانت هى الحدث الأكبر فى كل حياته. ولم ينسَ له التاريخ تلك الخيانة, بل صارت مثلاً يُضرب, وقد هلك بسببها. كانت هى غلطة العمر بالنسبة إليه.



***

مثل آخر: فتاة لها العديد من الأخطاء ومن العلاقات. ولكنها فى احدى المرات استسلمت للشهوة, وفقدت بكوريتها وحملت سفاحاً, سواء احتفظت بالجنين أو أجهضته. تظل هذه الغلطة تلاحقها طول حياتها, لا تنمحى من ذاكرتها مهما حاولت أن تخفى معالم الخطأ بطرق ملتوية. وإذا عُرفت عنها سقطتها, لا تغفرها لها أسرتها, ولا يغفرها لها المجتمع. إنها غلطة العمر.



***

أو تلميذ فى الجامعة, غشّ فى الإمتحان النهائى, وضُبط وتم فصله عاماً. وتخرّج أخيراً. ولكن واقعة فصله بسبب الغش, تظل تلاحقه وتطارده فى مستقبل حياته, وتصبح سبّة فى تاريخه يتذكرونها له فى كل وظيفة يتولاها ويعايرونه بها إن حدث منه خطأ آخر لقد كانت غلطة العمر.



***

رئيس دولة كبيرة هو كلنتون. كانت له مواهبه, ونجح فى الانتخابات, وصار رئيساً لأمريكا. وكان له محبون ومعجبون كثيرون به, وبدأ بنجاح فى سياسته. ثم وقع فى خطيئة مع مونيكا, وأمكن التشهير به, وأنكر واعتبرت المحكمة إنكاره كذباً على القضاء. وانتهى الأمر بأن ترك رئاسة أمربكا, ولكن السمعة الرديئة لم تتركه, بل مُنع من ممارسة المحاماة. وكانت خطيئته مع مونيكا وإنكاره لذلك, هى غلطة العمر. وصارت درساً للأجيال.



***

مثل آخر فى عالم الرياضة, هو مارادونا لاعب الكرة الشهيرة الذك كاد أن يصبح أسطورة فى تاريخ كرة القدم بسبب فنه وتوالى انتصاراته. وقع فى غلطة واحدة وهى أنه صار يتعاطى منشطات ثم مخدرات. وكانت النتيجة أنه أوقف مسيرة تاريخه, وفقد بطولته على الرغم من ملايين المعجبين به. وكانت غلطة العمر.



***

أو شاب فى منتهى القوة, وفى قمة نجاحه وتفوقه فى كل مجال يعمل فيه, حتى صار موضع إعجاب كثيرين وكثيرات. حدث فى مرة أنه سقط مع احدى المعجبات فى خطية جنسية. ولم يكن يدرى أنها مصابة بالإيدز, وانتقل المرض منها إليه. وأخذت صحته تتدهور ولم ينفع معه علاج. وفقد شبابه وقوته وعمله ومستقبله, بسبب هذه الغلطة الواحدة. ولكنها كانت غلطة العمر.



***

رجل أعمال ناجح جداً, واستطاع أن يكوّن ثروة كبيرة, وصارت له سمعة ممتازة واسم مرموق, بفضل مواهبه العديدة واخلاص فى عمله, وحزمه فى الإدارة. ثم حدث أنه جرب القمار وكسب, وأعاد الكرّة ولكنه على مائدة الميسر خسر كل شئ. خسر ماله وسمعته ورهن أملاكه ثم باعها. وهكذا فقد كل ما كانت له من ثروة. وذلك بسبب غلطة واحده هى لعب القمار, ولكنها كانت غلطة العمر.



***

وأبً كان يبذل كل جهده من أجل راحة أسرته ورفاهية كل أعضائه, ويسهر الليل والنهار فى سبيل ذلك. ولكنه للأسف الشديد لم يكن له وقت يقضيه مع أولاده, ليشرف على تربيتهم بنفسه. وشرد الأبناء بعيداً. الإبن انضم إلى أصدقاء السوء, وابنته وقعت فى حب شاب وتزوجته زيجة غير شرعية, إذ لم تجد الحنان الكافى من أبيها. وخسر الأب اسرته التى تعب كثيراً من أجلها. وكان ذلك كله بسبب غلطة واحدة هى عدم تفرغه لتربية الأولاد. وكانت هذه بالنسبة إليه هى غلطة العمر.



***

وفى مجال السياسة والحرب, ما أكثر الملوك والقادة والزعماء الذين أضاعوا تاريخهم كله من أجل غلطة رئيسية فى سياستهم, لم يحسبوا حساباً لنتائجها الخطيرة, ولكنها كانت غلطة العمر, مع إنهم كانوا فى مجد وعظمة, ولكنهم فقدوا كل شئ. فنابليون العظيم غلطة حرب سببت له الهزيمة بل أيضاً انتهت بالقبض عليه وإذلاله. وهتلر الذى كاد فى وقت من الأوقات أن يصبح أسطورة. وشاوشسكى فى حكمه وقلة حكمته. كل هؤلاء أضاعتهم غلطة العمر.



***

إن فشل الانسان عموماً لا يرجع إلى أن حياته كلها كانت أخطاء. وإنما غلطة واحدة خطيرة يمكن أن تضيعه.! إن كوباً مملوءاً بالماء, تكفى لتعكيره نقطة واحدة من الحبر تسقط فيه. وكذلك صحة قوية يكفى ميكروب واحد خطير أن يقضى عليها. لذلك يجب على كل انسان أن يكون حريصاً جداً فى حياته ويبتعد عن مثل هذه الأخطاء. لأن ثقباً واحداً فى سفينة الحياة قد يؤدى إلى غرقها. ومن الله الرحمة .

          
تم نسخ الرابط