والآن.. لماذا تفجّر الغضب القبطى؟ 1105167
بقلم رفعت السعيد
رغم ارتجاف مشاعرى من واقعة قرية الكرم. ورغم الغباوات المعتادة فى التعامل الأمنى. ورغم محاولة تبرئة من لا يستحقون سوى عقاب صارم حاسم ابتداء من المحافظ وحتى العمدة (الذى جرى تظبيطه قبل أن ينطق فقال ماحصلش أبداً ودى خناقة نسوان ومفيش حاجة) مروراً بمدير الأمن (وهو شاهد ما شفش حاجة) وحتى مأمور المركز وضباطه الذين صموا آذانهم لأن الذين يجرى حرق مساكنهم وتعرية سيدة مسنّة منهم مجرد شوية أقباط ولاد . ورغم البرود الثلجى الذى قابلت به وزارة الداخلية الأمر، حتى صرخ قداسة البابا هادئاً: لا تصالح ، وصاح الأنبا مكاريوس: لا حل عرفياً، وصاح السيد الرئيس: لا بد من حساب المخطئ حتى ولو كان الرئيس، فإننا إزاء عناصر مدربة اعتادت تستيف الأوراق بحيث لا يجد القاضى مفراً من الحكم ببراءة المجرمين، وكم من مرة حدث ذلك، والأمثلة بلا حصر، كنيسة القديسين، الكشح، والعمرانية، وعشرات الحالات المماثلة وينتهى الأمر بالحكم بناء على الأوراق. لقد التهبت قرية الكرم وتجمّع جمهور غاضب يحرق بيوت الأقباط والأمن غائب، نادوه فلم يستجب، صرخوا فلم يستمع، حتى كان ما كان، وبعدها يبدأ النشاط فى تظبيط الشهود واستدعاء طفلة (9 سنوات) لتكون شاهد إثبات على أمها. والمتهمون وفق التحريات الدقيقة جداً واللى ماتخرش الميه أحدهم مات منذ أكثر من 11 سنة، والثانى مصاب بشلل رباعى، كل ذلك فى قرية صغيرة يعرف فيها الأعمى كل إنسان، والجدع بقى يحاكم الميت أو المشلول إنهم أصناف اعتادت ضرب المحاضر وتلفيق التحريات. ولكى أكون منصفاً فإن هذه الأصناف من رجال الأمن تمارس هذا النشاط ليس ضد الأقباط وحدهم وإنما لحساب أى شخص مسنود أو وما حادثة نقابة محامى طلخا ببعيدة. ولعل القراء لا يعرفون أن قسم الشرطة يبعد عن مقر النقابة خمسة عشر متراً فقط، يعنى لو واحد صرخ سيسمعونه، وبينه وبين مديرية الأمن كوبرى يقطعه الإنسان ماشياً فى عدة دقائق. ومع تراكم الأحداث المماثلة سئم الأقباط وقرروا إشهار غضبهم وهم على حق تماماً. وأذكر أن قداسة البابا المتنيح شنودة قد صرخ ذات مرة: قل له دم الأقباط فى الكشح مش ميه ، ونقلت الكلمات للرئيس مبارك فقال: طيّب خاطره وقل له النيابة حتطعن فى الحكم . وذهبت القضية للنقض، وأفلت المتهمون وغضب البابا، وعقّب مبارك: أصل الورق بايظ ، لكن أحداً لم يفكر فى محاسبة صاحب الورق البايظ. ولو كنت مكان وزير الداخلية لقدمت صاحب تحريات الكرم للمحاكمة بتهمة التدليس وتضليل العدالة فهل سيحدث ذلك؟ وأنا أكتب هذه الكلمات وأمشى حافياً فوق شوك صلب يمزق من يدوس عليه، وأعرف أن البعض سيقول ما رددته أنا مئات المرات: هم يقدمون كل يوم شهداء فاغفروا لهم ، لكننى أشك كثيراً فى أن صاحب التحريات المضروبة يمتلك ضميراً يمنحه وطنية حقة. وأعرف أن الكثيرين سيقولون مش وقته فى هذا الظرف الصعب والهجوم المعادى المرير، لكنى اكتشفت أن الصمت على نوع من الأخطاء قد يكون أسوأ وأشد ضرراً من ارتكاب ذات الأخطاء.
وبما أننى فتحت الجرح أستأذن فى بعض ملاحظات فمثلاً إذا كان البعض فى الشرطة مقصراً أو متعصباً أو أى حاجة فلماذا تبقى الدولة متجاهلة نصوص الدستور التى تنص صراحة على أن المصريين أمام القانون سواء وأن لهم ذات الحقوق فى التوظف فى كل المناصب والمؤسسات ما داموا يمتلكون المواهب والتعليم المطلوب. وأعود لأتذكر كيف أن قداسة البابا شنودة بينما كنت أزوره فى الدير أخرج من جيبه ورقة وقال بابتسامة مليئة بالغضب والسخرية شفت الجدول ده ، والجدول (وكنا فيما أذكر فى بدايات القرن 21) به إحصاءات لحصة الأقباط فى وظائف محددة.
• نسبة الأقباط فى مناصب المحافظين صفر%
• نسبتهم فى القيادات العليا بالشرطة صفر%
• نسبتهم فى رئاسة الصحف والمجلات القومية صفر%
• نسبتهم فى المناصب القضائية العليا 1%
• نسبتهم فى رؤساء الجامعات الحكومية صفر%
• نسبتهم فى السفراء ٫04%
هذا فضلاً عن نسب محدودة ومحددة سلفاً للقبول فى كليات بعينها، وصفر كبير فى مؤسسات هامة. واستأذنته فى أن أرسل الورقة لمبارك فقال: ابعتها، وبرضه مفيش فايدة . وفعلاً تحققت مفيش فايدة . أقول ذلك وأعرف أنه موروث، ولكن إلى متى يخنقنا هذا الموروث وإلى متى نظل أسرى له ولغباوته وتعصبه، وإلى متى نترك مرتزقة يسترزقون بدفاع مزعوم ومدفوع الأجر مقدماً عن حقوق الأقباط كمنظمة غير قانونية روّجت لمعلومات مكذوبة وباعتها لسادتها مقابل خمسين مليون دولار. وهذا أمر فى يد الرئيس السيسى الذى أثق فى أنه لا يقبل تمييزاً كهذا. وأقول، بصراحة ووضوح، إن هذا ليس مقبولاً ولا يمكن أن يستمر وإن آثاره خطيرة ومخيفة، ولعل بعضاً من تراكماته على مدى طويل هو من بين ما أفرز غضبة الكنيسة فى حادثة الكرم التى ارتكبها ميّت منذ أحد عشر عاماً ومشلول شللاً رباعياً. إن هذه التراكمات تحتاج إلى علاج حاسم باتر شجاع مصرى ولا تشوبه أوهام ولا تعصب ولا الاستسلام للموروث. وإذا كان مطلوباً منا تجديد الفكر الدينى فكيف لنا أن نجدده فى ظل هذا التعصب الدينى الذى يرتكبه البعض، ربما فى تلذذ، بينما نتغنى نحن ويتغنى معنا هو بالوحدة الوطنية والمساواة أمام القانون.
سيادة الرئيس افعلها فثمة قرارات سيظل التاريخ يذكرها أبداً لمن يتخذها. افعلها يا سيدى، فإذا لم تفعلها أنت فمن سيفعلها؟
وأخيراً لقد أجّلت الكتابة عن الموضوع بأمل أن تهدأ النفوس، واكتشفت أن النفوس لا تهدأ إلا بفعل صائب.
الوطن