«دخان الموت».. رحلة البحث عن حقيقة بخور الناموس القاتل

الحق والضلال
دخان الموت رحلة البحث عن حقيقة بخور الناموس القاتل


استأذن آدم ، ٥ سنوات، وشقيقه مالك ، ٣ سنوات، من والديهما للخلود إلى النوم، وبالفعل أدخلهما الأب غرفتهما وأشعل لهما البخور حتى لا يزعجهما الناموس ‏وأغلق عليهما باب الغرفة، وجلس مع والدتهما فى الخارج، وبعد مرور ساعتين تقريبًا، دخل الأب ليطمئن على ابنيه، لكنه فوجئ بوفاتهما.‏

ما سبق ليس مشهدًا فى فيلم سينمائى أو مسلسل تراجيدى، لكنه الحادث الأليم الذى شهدته مدينة القنايات التابعة لمحافظة الشرقية، خلال الأسبوع الماضى.‏

‏ الدستور انتقلت إلى مدينة القنايات ، حيث التقت والد الضحيتين، ويدعى محمد حسن ، الذى كشف عن أن وفاتهما بسبب بخور تبيعه الصيدليات لطرد ‏الناموس، وهو ما دفعنا للتحقيق فى الأمر.‏


عائلة ضحيتى الشرقية: اشتريناه من محل عطارة وأهالى: يباع فى الصيدليات

داخل المنزل الذى يغمره الحزن، حكى والد الطفلين تفاصيل الواقعة، قائلًا: أول مرة نستعمل هذا البخور، سمعنا من الجيران وأقاربنا اللى استعملوه منذ سنوات إن مفعوله فى القضاء على الناموس ‏قوى، وبالفعل توجهت زوجتى إلى أحد محال العطارة واشترت البخور منه .‏
وأضاف: فى المساء، استأذن آدم ومالك للذهاب إلى النوم، بعد مرور ساعتين تقريبًا، دخلت للاطمئنان عليهما فوجدتهما لا يتحركان، فحملتهما أنا وأمهما إلى مستشفى القنايات العام قرب الفجر، وبمجرد ‏دخولنا المستشفى وتوقيع الكشف الطبى عليهما أخبرنا الأطباء فى الطوارئ أنهما متوفان، فاستخرجت تصريح الدفن، وتم دفنهما فجرًا .‏
وعما تردد عن إصابة الطفلين بحساسية الصدر، أكد حسن أن طفليه لم يعانيا من أى أمراض سواء حساسية الصدر أو غيرها، وكانا يتمتعان بصحة جيدة.‏
وبعد انتشار خبر وفاة الطفلين بسبب البخور، تحركت مديرية الصحة بالشرقية لأخذ عينة متبقية من البخور لتحليلها والتأكد من أنه سبب الوفاة من عدمه.‏
وذكر الأب أنه حتى الآن لم يصلهم تأكيد من وزارة الصحة إذا كان البخور هو السبب أم لا.‏
وإذا ما أكدت وزارة الصحة أن بخور الناموس هو السبب، فإن آدم و مالك لن يكونا ضحيتيه الوحيدين، خاصة أن أغلب الأسر المصرية تستخدمه، فتقول عبير جمال أم لطفلين: أستخدم بخور ‏الناموس منذ سنوات ولم أسمع أنه مضر بالصحة كيف يكون بهذه الخطورة ويباع فى الصيدليات؟ .‏
وتضيف عبير أن جميع الصيدليات فى محافظة الشرقية تبيع هذا البخور على أنه آمن، واستعملته سنوات طويلة فى غرفتى طفلى .‏
‏ منى أحمد ، من الدقهلية، قالت: قبل سماعى خبر وفاة الطفلين آدم ومالك بساعات قليلة كنت قد أشعلت البخور فى غرفة الأطفال وأغلقت الباب وانصرفت عنهما .‏
وأضافت: بعد مرور دقائق تذكرت ما قاله لى بائع البخور فى العطارة المجاورة للمنزل، بأن أجعل مصدرًا للتهوية داخل الغرفة التى أُشعل بها البخور، ففتحت على الفور باب الغرفة على أطفالي .‏
واستنكرت منى : إذا كان هذا البخور مضر بالصحة لماذا سمحت وزارة الصحة ببيعه وتداوله داخل الأسواق بهذه الطريقة؟ .‏
وأشارت إلى أن البخور ليست له رائحة مثل باقى المبيدات الحشرية التى يتم رشها، لذا كانت تفضله على الكثير من هذه المنتجات حتى لا يسبب الأذى لأطفالها، لكن بعدما علمت أنه مضر بالصحة ألقت ‏باقى العبوات التى تملكها فى القمامة.‏


موجود فى 80% من المحال سعره من 10 إلى ٧٠ جنيهًا وتجار: غير آمن

أجرت الدستور جولة على ١٠ محال للعطارة والعطور فى محافظتى القاهرة والجيزة، لمعرفة مصدر ذلك الدخان القاتل ومن أين يأتى.‏
وجدناه يُباع فى ٨ محال بأسعار وأشكال مختلفة، ومحلان فقط أكدا أن الكمية التى لديهما نفدت بسبب شدة الإقبال عليه من الأمهات مع دخول موسم الصيف، خاصة القاطنات فى القرى والأقاليم.‏
فى منطقة العتبة، سألنا عن بخور طارد للناموس فى محل للعطور يسمى ز ، فوجدنا منه النوع الأول عيدان ، تنتجه شركة سيترونيلا ، وهى شركة أمريكية متخصصة فى صناعة الزيوت.‏
بلغ سعر العبوة الواحدة التى تحتوى على ٧ عيدان ١٠ جنيهات، حسب البائع المتواجد فى المحل، الذى أكد أن هناك فارقًا بينه وبين بخور الناموس الحلزونى فى المواد المستخدمة التى تدخل فى ‏صناعة النوعين.‏
وأضاف: هذا النوع مستورد وأمريكى، ومحلنا أحد الموزعين المعتمدين لمنتجات الشركة من بخور وعطور وزيوت ، نافيًا معرفته بأى أضرار تنتج عنه.‏
وتابع البائع: الحقيقة اللى أعرفه إنه بخور عادى لكن بيقتل الناموس بس، وأكتر ناس بيستخدموه فى القرى عشان الحشرات الكتير بسبب الغيطان، وعمره ما أذى حد، ولا الشركة حذرتنا منه .‏
داخل أحد أكبر محال العطور فى منطقة العتبة، وجدنا بخور الناموس يُباع، لكن بسعر مختلف ٥ جنيهات فقط ، وأكد البائع أنه يتاجر فى نوعية العيدان فقط نتيحة الإقبال الشديد عليه أكثر من ‏‏ الحلزونى .‏
شركة أ كان الاسم المدون على العبوة من الخارج، وهى شركة مصرية متخصصة فى صناعة المبيدات الحشرية، وأكد البائع أن البخور محلى الصنع، يشترى منتجاته بالجملة من شركات العطور ‏المصرية ويعتبر أحد موزعيها.‏
ونفى التاجر بشكل قاطع أن يكون للبخور أى ضرر سواء على الأطفال أو الكبار، مشيرًا إلى أن فكرته تشبه المبيد الحشرى. ويقول: ملوش ضرر بس احتياطى عشان الأمان، حطيه فى الأوضة شوية ‏وهى فاضية مفيهاش حد، وبعدين الأطفال يناموا .‏
بائع آخر فى محل يسمى أ.م للعطور نفدت لديه كمية البخور الطاردة للناموس، اعترف بأن جميع تلك الأنواع ضارة وغير آمنة: فيه ناس تقولك العيدان أمان، وإن الحلزونى بس هو اللى مسمم، وده ‏غلط لأن الاتنين لهم أضرار لكن العيدان أخف .‏
وأشار إلى أن البخور الذى على هيئة عود يعمل على طرد الناموس فقط، أما الحلزونى فيقتل الناموس، ويستخدم فى قتله مادة مسممة، قد تصيب الأطفال بأمراض صدرية، إذا استنشقوها وقت ‏احتراقها.‏
وأكد بائع آخر أن الكمية التى لديه نفدت بسبب الإقبال الشديد عليه، خاصة النوع الحلزونى ، قائلًا: الشركة مش ملاحقة على الطلبات، رغم إننا بنبيع النوعين وبنجيب كميات كبيرة، لأن فيه المستورد ‏وفيه المصرى .‏
وأشار إلى أن النوع المعروف باسم الملكى هو الأفضل، وهناك نوع آخر من الحلزونى يسمى الهنا ، مضيفًا: هو ملوش أضرار بس فى نفس الوقت استخدميه بالنهار وبلاش بالليل وقت ما ‏الأطفال يكونوا نايمين، عشان لو حسوا بحاجة تلحقيهم، لأن ريحته عالية ممكن يؤدى للخنق .‏
وعن أسعارهما، قال: البخور الحلزونى بـ٧٠ جنيه لأنه مستورد، الشركة بتتعامل مع شركة تانية بره وإحنا بناخد منها، وفيه العيدان ده مصرى بـ١٥ جنيه بس، لكن قوته مش فعالة أوى زى المستورد .‏
وفى محل آخر للعطور يسمى أ ، وجدنا نوعى البخور الحلزونى و العيدان ، واعترف البائع أيضًا بأن الحلزونى سام: العيدان أمان أكتر لأنه مصرى، لكن الحلزونى صينى مستورد، ومكتوب ‏على العلبة كده .‏
وكشف عن أن العيدان سعره ١٠ جنيهات، بينما الأقراص وصل سعره إلى ٦٠ جنيهًا للعلبة، مضيفًا: عادى يتحط فى أوضة الأطفال، لكن مهم تفتحى الشبابيك، عشان يكون فيه تهوية ليهم، لأنه ‏بيطلع دخان كتير .‏

صفحات ومواقع تبيعه أون لاين ويدخل مهربًا من الصين
بخور الناموس لا يُباع فى المحال فقط، لكن على صفحات التواصل الاجتماعى ومواقع التسويق الشهيرة أيضًا، فتعرض الشركات الكبرى منتجاتها على هذه المواقع بحرية تامة، ولا تعمل سوى ‏مع التجار بطريقة الجُملة، لكونهم موزعين معتمدين للشركات الأم فى الخارج.‏
إحدى الصفحات حملت اسم بخور طارد للناموس تتاجر فيه شركة و.ل للاستيراد والتصدير، ولا تتعامل مع أشخاص بل تُجار فقط. وعبر اتصال هاتفى بالشركة، أكد المسئول بها أنهم لا ‏يبيعون سوى كميات كبيرة، ولديهم مندوبون فى القاهرة وباقى المحافظات.‏
وأكد أن الكرتونة الواحدة بـ٧٠٠ جنيه وبها ١٨ علبة بخور حلزونى ، أى أن الواحدة تباع بسعر ٣٩ جنيهًا تقريبًا.‏
وبالسؤال عن تأثير البخور على المواطنين، قال: مفيش ضرر مباشر أو قوى لأن المنتج واخد تصريح من وزارتى الصحة والزراعة فيه شغل مشابه لشغلنا مضروب بيموت، لكن إحنا شغلنا ‏مظبوط . ‏
ولم يختلف الأمر عند الاتصال بشركة ر التى تصنع بخور الناموس أيضًا، فكانت نفس الأسعار للبخور الحلزونى المستورد.‏
وأكد المسئول بهذه الشركة أن المنتج صينى: المنتج صينى وأى دخان طبيعى إن يكون فيه ضرر على الأطفال، لكن وانت مشغلة القرص لازم يكون فيه منفذ مفتوح، عشان يتنفسوا .‏
وعلى موقع أوليكس الشهير فى عالم التسوق، وجدنا إعلانًا يقول: بخور حلزونى طارد للناموس مستورد فائق الفاعلية ، ويروج الموقع للمنتج فى الجزء الآخر من الإعلان قائلًا: أفضل ‏حل للقضاء على الناموس فى المنزل، والحديقة، البخور آمن تمامًا وفعال ١٠٠٪ .‏
ورغم تقرير مركز الدواء، الذى أكد أنه مُصنع من مواد سامة، إلا أن الموقع أشار فى إعلانه إلى أنه مُصنع من مواد طبيعية ويمكن استخدامه فى المطاعم المفتوحة والحدائق والمنازل.‏
وأضاف: البخور مستورد صناعة صينى بجودة عالية، متوفر فى عبوة بلاستيكية تحتوى على ١٨ لفة، ودبوس معدنى داخل العلبة لحمل البخور عند إشعاله كما توجد لدينا خدمة توصيل حتى باب ‏المنزل فقط اتصل بنا .‏
ولم يختلف الأمر على موقع على بابا دوت كوم ، وهو أكبر موقع صينى للتجارة، إذ انتشرت عليه إعلانات البخور الطارد للناموس، منها العود المصنوع من الخيزران والحلزونى غير قابل ‏للكسر، وأيضًا الزيوت الطاردة للناموس.‏
وعلى موقع ياقوت للتسوق كان سعر البخور الحلزونى الطارد للناموس ٤٤ جنيهًا، وذكر الموقع أن أول ظهور لهذا المنتج كان فى ١٧ أبريل ٢٠١٤.‏
وجاء فى إعلان الموقع: إبقاء البعوض وغيرها من الحشرات الطائرة بعيدًا دون أى استخدام لمواد الرش، طارد يحترق ببطء خالٍ من الشوائب، وبه اثنتان من المنصات المعدنية القابلة لإعادة ‏الاستخدام وعشر لفات .‏
‏ الدستور تتبعت رحلة وصول البخور الأسود الى المحال والصيدليات، فاتضح أنه يتم استيراده من الصين، فإذا تفحصت العبوات جيدًا ستجد بعض الكلمات المكتوبة عليها باللغة الصينية.‏
وتدعى شركات الاستيراد المتخصصة فى مصر حصولها على ترخيص للاستيراد وأنه غير مضر على الإطلاق، فى حين أن رقم الترخيص الذى تدعى الشركات أنه من وزارتى الصحة ‏والزراعة غير مكتوب على العبوة. ‏
وأكد محمد على، أحد العاملين فى العطارة بمنطقة حدائق القبة، أنه لا يبيع بخور الناموس على الإطلاق لأنه يعرف خطورته الشديدة والسموم بداخله.‏
‏ على حذر منه قائلًا: إن الأصلى مضر فما بالك بالتقليد، مضيفا: إنه قاتل ويباع على الملأ دون وجود رقابة صارمة تمنع بيعه، وهو نوعان العيدان الأخف فى الضرر، والقرص وهو الأكثر ‏ضررًا . ‏
مصدر داخل الغرف التجارية أكد أن هناك أنواعًا يتم تهريبها بالطبع، وقال: كل الأنواع التى ليست عليها رقابة يتم وضعها فى بنود أخرى لتجنب فحصها وتطبيق المعايير المناسبة عليها .‏
وكشف عن أنه غالبًا ما يتم إدخال بخور الناموس تحت بند لعب الأطفال ، ما يصعب اكتشافها، لأنهم يضعونه بالفعل وسط الألعاب، وهذا هو الوضع بالنسبة لكل ما هو مخالف وليس البخور ‏فقط.‏

دراسة أمريكية: مسرطن وطبيبة صدرية: سام ويسبب الوفاة وغير ‏مصرح بتداوله ‏
موسوعة ويكى واند للمعلومات عرَّفت البخور الطارد للناموس بأنه عبارة عن لفائف حلزونية مصنوعة من سوائل المبيدات الحشرية، التى تعمل على قتل وطرد الناموس من المنازل والأماكن ‏العامة.‏
وأضافت، فى تعريفها، أن بخور الناموس يحتوى على مادة بيرثرين الطاردة والقاتلة للحشرات، ويتم إشعاله وتعليقه فى الهواء ليقوم الدخان المتصاعد بطرد البعوض فى حالة التركيزات ‏المنخفضة وقتله فى حالة التركيزات العالية.‏
وفى دراسة بحثية أجراها المركز الوطنى لمعلومات الدواء الأمريكى، خلصت إلى أن الدخان المنبعث من هذه اللفائف يحتوى على ملوثات مصدر قلق صحى خطير، وتم اختباره ووجدت فيه ‏كميات كبيرة من المركبات العضوية المتطايرة ومواد مسرطنة.‏
وتم استخدام مادة بيرثرين لعدة قرون كمبيد للحشرات فى بلاد فارس وأوروبا، فكان يتم خلط مسحوق بيريثروم الماده الفعالة الذى لا تتجاوز نسبته ١٪ مع عدد من المواد المساعدة، مثل ‏نشارة الخشب التى تساعد على الاشتعال، ليزيد نشاط المبيدات الحشرية.‏
وحسب الدراسة، يحتوى الدخان على ملوثات ذات تأثير صحى سلبى، وتم قياس معدلات الانبعاثات التى تصدر عن البخور، وتبين أن تركيزات الملوثات الناتجة عن حرق لفائف البعوض تتجاوز ‏إلى حد كبير معايير الهواء الصحى.‏
القائمون على الدراسة حددوا مجموعة كبيرة من المركبات العضوية المتطايرة، بما فى ذلك المواد المسرطنة فى دخان بخور طرد الناموس، وتشير النتائج إلى أن التعرض لدخان لفائف البعوض ‏يشكل مخاطر صحية كبيرة ومزمنة على الصحة.‏
الدكتورة مايسة شرف الدين، أستاذ الأمراض الصدرية بكلية طب قصر العينى، أكدت أن دخان بخور الناموس سام ويؤدى إلى الوفاة فى بعض الأحيان، مشيرة إلى أنه غير مصرح له بالتداول من ‏قبل وزارة الصحة.‏
وأشارت شرف الدين إلى أنه يحتوى على مواد سامة تخرج منه وقت الاحتراق، ويستنشقها الأطفال لاسيما فى الأماكن المغلقة، موضحة أن مواد كيميائية غير مصرح بها تدخل فى تصنيعه ‏حتى تعمل على قتل الناموس والبعوض.‏
وحذرت من استخدام هذا النوع من البخور فى الأماكن المغلقة؛ لتجنب الغازات السامة الموجودة بداخله، لافتة إلى إصابة الكثير من المصريين بحساسية الصدر بسبب الإسراف والفوضى فى ‏استخدام المبيدات الحشرية والمنظفات كماء النار والبوتاس.‏



نقلا عن الدستور
          
تم نسخ الرابط