صموئيل العشاى يفجر مفاجاة عن عبد المسيح ومصطفى وسر 25 يناير

الحق والضلال
صموئيل العشاى يفجر مفاجاة عن عبد المسيح ومصطفى وسر 25 يناير


نشر الكاتب الصحفي صموئيل العشاى في رواية الخفاش أوراق السيد عمرو السرية القصة الحقيقة لبطولة مصطفي وعبد المسيح في مواجهة الجيش الإنجليزى، وليس مصطفي فقط كما يبرز الأعلام ويتجاهل دور الضابط عبد المسيح عبد السيد.
وحمل الفصل رقم (54) القصة تحت عنوان (السر الغامض)، بتاريخ 16 طوبة سنة 6252 فرعونى، وروى فيه القصة الكاملة التي ننفرد بنشرها كاملة
طالعت رسالة السيد عمرو، وكنت سألته عن سر إختيار 25 يناير للتظاهر ضد الشرطة، وأجابني في رسالة مطولة على صندوقي البريدي، وصلتني عن طريق الإيميل:
أبنى العزيز سام مينا:
اليك الحقيقه كاملة حول إختيار 25 يناير للتظاهر، ولكن عليك أن تنتظر عشر أعوام قبل نشر هذه الأوراق.
كانت الروح الوطنية والتماسك الشعبي في أعلي درجاتها، حتى أنك تشعر أن هناك ما يشبه القرار الجماعي من المصريين بالضغط على الإنجليز ومقاومتهم حتى يرحلون من مصر. ونجح الفدائيين في تحقيق بطولات عظيمة تدرس في مدارس النضال الشعبي، بالأسلحة البسيطة التي كانت بين أيديهم، ووقفوا بها أمام أقوي جيوش الأرض وتلاحم معهم البوليس كتفا بكتف، ودعت حكومة الوفد إلى ترك العمل داخل معسكرات الإنجليز مساهمة منهم في الكفاح الوطني، وفتحت عددا من المكاتب لتسجيل أسماء الراغبين في ترك العمل معهم وبلغ عددهم (91572) عاملا، انسحبوا بالكامل من العمل في هذه المعسكرات، وتوقف المتعهدون عن توريد الخضراوات واللحوم والأطعمة ومستلزمات الإعاشة لجنود أكبر قاعدة إنجليزية في الشرق الأوسط الذى بلغ عددهم وقتها ثمانين ألف جندي، ونسق البوليس المصري بين تحركات الفدائيين ودربهم لإنجاح عملياتهم وأحداث أكبر قدر من الخسائر في صفوف البريطانيين، والتقى الضباط بالفدائيين بشكل مباشر داخل مبنى محافظة الإسماعيلية الذى ضم المحافظة ومديرية الأمن وقسم البوليس، ودربهم ووضع لهم الخطط مما أدي للوصول للهدف الأكبر، ووقوع أكبر ضرر في صفوف القوات البريطانية.
كما قلت لك أن المخابرات البريطانية أسست حركة الإخوان لهدف حيد وهو تامين ظهر معسكرات القوات البريطانية في منطقة القناة التي يوجد بها أكبر قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط وبها 80 ألف جندي بريطاني، وحددت المخابرات الإنجليزي دور الجماعة في وقف العمليات الفدائية ضدهم، واتخذت الجماعة مدينة الإسماعيلية مقر لها من أجل تحقيق هدف البريطانيين، وحيدت الكثير من شباب الفدائيين بعيدا عن معسكرات الإنجليز ولم يهاجموهم.
لأسباب عديدة فى عام 1952م ارتفعت الروح الوطنية، واشتدت العمليات الفدائية ضد الإنجليز بمدينة الإسماعيلية، وقام الاحتلال بشطر المدينة إلى نصفين، الأول هو الحي الأفرنجي الذي يسكنه الإنجليز، والنصف الثاني هو الحي الشعبي الذي يسكنه المصريون، وبعد ازدياد الهجمات إلى الحد الذي فاق احتمال الإنجليز، وفشل الأخوان في إخماد هذه الروح، قرر قائد القوات البريطانية ترحيل المصريين إلى خارج مدينة الإسماعيلية، وتسبب ذلك في زيادة هجمات الفدائيين، اكتشفت البريطانيون أن البوليس المصري يدير عمليات الفدائيين داخل مبنى المحافظة، وقرر القائد (إكس هام)، وعلى رأس جيش غفير زحفوا صباح يوم الجمعة 25 يناير 1952م الموافق 17 طوبة عام 6193 فرعونية، لمحاصرة مبنى المحافظة وطرد البوليس وترحيله من المدينة.
وقف القائد الإنجليزى على رأس قوته مدعوم بأحداث الأسلحة ودبابات وسيارات مصفحة، وعتاد أقوى جيش في العالم، عند مبنى المحافظة توجه الرجل بخطاب مباشر لرجال البوليس ودعاهم إلى الاستسلام وإخلاء المكان، وظل الميكرفون يردد:
- على البوليس المصري الاستسلام . وترك الأسلحة والخروج رافعين أيديهم.
اختار الإنجليز يوم الجمعة لتأكدهم من عدم وجود رتب كبيرة وغياب غالبية الجنود والضباط، وأن القوة الموجودة لتأمين المكان، وبالتالي يستطيعون احتلاله بهدوء، وخاصة أن أكبر رتبتين في المكان هما الملازم أول مصطفى فهمي رفعت، والملازم عبد المسيح مرقص عبد السيد.
رفض الضابطان التهديد، وعلى الفور جمعا جنودهما، وراح الضابط عبد المسيح يحفزهم، قائلا:
- هما خايفين مننا وأختاروا يوم الإجازة، علشان يهاجمونا لأنهم عارفين إن عددنا صغير، وعاوزين يحتلوا القسم ويقتلونا، ولكن أحنا برفض الاستسلام، وهنموت وأحنا بندافع عن أرضنا لآخر نقطة دم فينا.
هتف الجنود:
- الله أكبر . الله أكبر.
عاد عبد المسيح يتحدث:
- صحيح هما يملكوا أحدث سلاح، ولكننا أقدم قوة في الأرض، وأعظم حضارة عرفها التاريخ، ونملك إيمانا بالأرض يفوق أسلحتهم.
هتف الجنود:
- الله أكبر . الله أكبر.
تحمس الضابط مصطفي رفعت:
- أوعوا تخافوا أحنا الأقوى وهنكسر أنفوهم رغم أنهن شايفين نفسهم أقوى جيش في العالم.
هتف الجنود مكبرين:
- الله أكبر . الله أكبر.
أرتفعت الروح المعنوية، وشعر الجنود أنهم الأقوي، رغم عدم وجود تكافؤ بينهم كقوة تأمين تملك أسلحة بسيطة، وجيش بريطانيا الذي يملك أكبر عتاد وأسلحة حروب ثقيلة، ولكن الإيمان جعل بنادقهم القديمة أقوى من دبابات الجيش البريطاني، وروحهم المعنوية تحدت أحدث صواريخ، وعزيمة الأبطال تصدت للقنابل.
فرح الضابط عبد المسيح برد فعل الجنود، وشجع صديقه الأعلى منه في الرتبة بصفته قائد المكان على الخروج والرد بقوة على قائد القوات الإنجليزية، وبالفعل خرج الضابط رفعت بشموخ فرعوني أصيل ورثه عن أجداده الذين حكموا الأرض وبنوا أعظم حضارة في الدنيا، وأبهرت ولا زالت تبهر الكون وحكموا الأرض في الوقت الذي كان فيه الإنجليز مجرد رعاة غنم بلا حضارة وبلا تاريخ.
خرج الضابط مصطفي رفعت بثقة وفى ظهره بنادق الجنود تحرسه من غدر الإنجليز، وبعزة نفس وقف الضابط رفعت أمام القائد الإنجليزي، وتحدث بقوة رافضا التهديد، وقال:
- أنا أدعوك أنت وقواتك للانسحاب من المكان فوراً، وإن لم تستجيب لتحذيري سوف يضربكم جنودى بيد حديدية، عليك أن تعرف أنت وجنودك، أن هذه هي أرضي أنا عشت عليها وأكلت من خيرها وسأدفن تحت ترابها، أرحل أنت وجنودك.
لم يهتم الضابط بالإستماع لرد قائد القوات الإنجليزية، ولف عائداً إلى مبنى المحافظة، وكان في نفس الوقت الضابط عبد المسيح يبلغ مكتب وزير الداخلية بالأمر، الذي وعد أن يبلغ رئيس الحكومة بالآمر، وبعد مرور ربع ساعة أبلغ عامل السويتش الضابط بوجود مكالمة من وزير الداخلية، ودخل الملازم أول مصطفى رفعت لغرفة السويتش ورفع سماعة التليفون يرد، وكان الطرف الآخر وزير داخلية مصر فؤاد باشا سراج الدين، الذي سأله:
- إيه الوضع عندكم.
وصف له الضابط الشاب المشهد في الخارج، وقال:
- نحن داخل المبنى محاصرون من الجيش الإنجليزي الذي حضر بكامل عتاده.
سأله الوزير:
- ماذا سوف تفعلون؟
بقوة رد الضابط:
- أنا والضابط عبد المسيح اتفقنا أننا لن نستسلم.
وزير الداخلية:
- أنا أحيي روحكم القوية، وهناك فدائيو المنطقة سوف ينضمون لكم، افتح لهم الأبواب الخلفية ومعهم أسلحة وذخيرة، وطعام وشراب يكفيكم لمدة شهر.
بمعنويات عالية صاح الضابط:
- سوف ننتصر لأننا أصحاب الأرض.
رد فؤاد باشا سراج الدين:
- الله معكم وينصركم.
انتهت المكالمة، وخرج الضابط من غرفة السويتش، رافعا يده بعلامة النصر لزميله، وأبتسم الأثنان، ولكن الغدر الإنجليزى، في ثواني حول غرفة السويتش الى كومة رماد بعد أن أطلاقه قذيفة ثقيلة من فوهة دبابة، واستشهد عامل التليفون، وفهم الضابطان أن الإنجليز كانوا يتنصتون على المكالمات، وعرفوا بنتيجة الحوار، وعلى الفور قال الضابط عبد المسيح:
- المعركة كتبت علينا، وسنموت دفعا عن أرضنا.
بدأ الضابطان الترتيب لمعركتهما للدفاع عن مبنى المحافظة والقسم، وفتحا الباب للفدائيين الذين حضروا بكثافة للتصدي للإنجليز، وقمست القات والفدائيين إلى قسمين استعدادا للقتال.
ترأس كل ضابط مجموعة من القسميين، واتخذا الوضع الدفاعي، وأمطروا القوات الغاصبة بالرصاص، ودارت رحى الحرب لعدة ساعات استخدم فيها الجيش الإنجليزي كل أسلحته الحديثة في مواجهة أسلحة قديمة يتسلح بها أفراد البوليس المصري لتأمين المبنى فقط، رغم العتاد والعدة التي كانت في يد الإنجليز، ولكن إيمان صاحب الأرض المخلص لقضيته ينتصر بأبسط الأدوات، والمستعمر رغم تسليحه الهائل لكنه جبان خائف مذعور لأنه يدرك أنه لص حضر لنهب وسرقة ثروة غيره تحت تهديد السلاح، طوال المعركة كانت اليد العليا لرجال البوليس المصري الذين أربكوا حسابات الإنجليز للدرجة التي فكر معها القائد الإنجليزى في التراجع عن المعركة.
سأل القائد الإنجليزي مستر إكس هام من حوله:
- ما سر صمود جنود البوليس في مواجهتنا ونحن أقوى جيوش الأرض.
تلقى القائد الإنجليزي عدة إجابات ممن حوله، ولم يقنع بأي منها، وطلب من قواته قتل أكبر عدد من الجنود المصريين، وبالفعل قتلوا عدد إلى أن طفح الكيل بالملازم أول مصطفى رفعت، وقرر أن يخرج ويقتل مستر إكس وينقذ جنوده، وعندما جرى إلى الباب شده صديقه عبد المسيح من ملابسه ومنعه من الخروج، وصرخ في وجهه:
- هيقتلوك ولو قتلوك هيكسروا معنويات الجنود.
استجاب الضابط مصطفى لكلام صديقه، وطلب من جنوده استهداف القائد الإنجليزي مباشرة والاستعداد للشهادة، واشتبك الجنود المصريون بطريقة أعنف، وتسلل أهل الإسماعيلية من الباب الخلفي لمبنى المحافظة وهم يحملون ذخائر ومسدسات وبنادق حصلوا عليها من داخل معسكرات الإنجليز، ووزع الضابطان الفدائيين إلى جوار أفراد البوليس واستهدفوا القوات الإنجليزية، وتصدى الفدائيون والجنود وصنعوا ملحمة تفوق الوصف مما أدى لاستشهاد وإصابة عدد كبير منهم، وكاد الجنود الإنجليز أن يتقهقروا. لولا قذيفة أصابت عددا كبيرا من الجنود وهو ما أدى لخروج الملازم أول مصطفى فهمي إلى القائد الإنجليزي مستر (إكس هام)، وعند خروجه توقفت الاشتباكات وظن الإنجليز أن الضابط والجنود سوف يستسلمون.
قال مصطفي رفعت لقائد القوات:
- استدع الإسعاف لعلاج المصابين، جميع القوانين الدولية تسمح بعلاج المصابين، وتخلي الإسعاف أجساد الشهداء من المكان.
حاول مستر إكس استغلال الموقف:
- لي شرط علشان أسعف المصابين وأخلي الشهداء.
استفسر الضابط:
- أعرف إيه شرطك؟
رد القائد الإنجليزي:
- تستسلم انت وجنودك، وتخرجون من المكان رافعين إيديكم وتتركون سلاحكم.
رفض الضابط مصطفى رفعت:
- مستحيل أن نستسلم، ونترك أرضنا.
تركه وعاد الضابط للمبنى، وعلى الفور أطلق الملازم عبد المسيح نيرانا كثيفة لتغطية دخول قائده وصديقه للدرجة التي أربكت القوات الإنجليزية، فقرر قائد القوات البريطانية إطلاق دانة مدفع على الجانب الأيمن من المبنى الذي تأتي منه النيران الكثيفة، ويتمركز فيه الضابط عبد المسيح ومعه الجنود والفدائيون، وبالفعل أطلقت قذيفة على الحائط الذي يختبئ خلفه الضابط وجنوده وحولته لكومة تراب، واستشهد الملازم عبد المسيح ومعه جنوده والفدائيون.
رد الملازم أول مصطفى رفعت على ذلك بإطلاق نيران كثيفة، وطلب من جنوده استهداف مستر إكس شخصياً ووعد قاتله بمكافأة كبيرة، وفار الدم في عروقه عندما رأى جثمان صديقه عبد المسيح إلى جوار جثامين الجنود، وقرر أن يخرج بنفسه ليقتل القائد الإنجليزي بيده، وبعد خروجه توقف إطلاق النيران، وجد الضابط الشاب أكبر رتبة إنجليزية في القناة يؤدي له التحية العسكرية، وتحدث:
- أنا الجنرال ماتيوس قائد القوات البريطانية في منطقة القناة، أحييك على صمودكم رغم أسلحتكم القديمة وارتفاع المصابين والقتلى لديكم، ورفضتم الاستسلام.
رد الضابط مصطفى بقوة:
- هذه أرضي وأنا أدافع عن حقي.
الجنرال ماتيوس:
- سوف يحكي التاريخ كيف دافع البوليس المصري ببسالة عن مكانه بشجاعة، وأظهر مهارات قتالية عالية في مواجهة الجيش البريطاني.
الضابط مصطفى:
- لن نترك المبنى لآخر قطرة دم.
الجنرال ماتيوس:
- أقترح حل يرضيكم ويرضينا، وهو أن تخرج أنت وجنودك، وتأتى الإسعاف وتحمل المصابين وتخلي الشهداء، ونحن نرحل أيضا من المكان.
فكر الملازم أول مصطفى رفعت في الأمر وبخاصة بعد استشهاد ما يزيد عن 50 شهيدا، وأكثر من 80 مصابا، ووضع شروطه للخروج من المبنى، وقال:
- أوافق على اقتراحك أن نرحل عن المبنى وأنتم ترحلون من المكان، وتستدعي سيارات الإسعاف لنقل المصابين والجرحى، ونقل جثامين الشهداء، بشرط أن يخرج جنودي من المبنى في شكل طابور نظامي عسكري يليق بهم، وترحلون أنتم عن المكان ولا تدخلون المبنى.
الجنرال ماتيوس:
- موافق على كل الشروط، وسوف أستدعي سيارات الإسعاف.
دخل الضابط إلى جنوده داخل المبنى وشرح لهم الوضع، وطلب منهم خلع ملابسهم العسكرية وأن يتبادلوها مع الفدائيين، بحيث يخرج الفدائيون على أساس أنهم الجنود في طابور عسكري، ويبقى الجنود داخل المكان ويمنعون الإنجليز من دخول المبنى إذا حاولوا اقتحامه، وبالفعل انصاع الفدائيون لأوامر الضابط وارتدوا ملابس الجنود وأخرجوا المصابين إلى الخارج وخلال نصف ساعة حضرت سيارات الإسعاف التي نقلت المصابين للعلاج وجثامين الشهداء، وخرج الفدائيون بملابس الجنود في صف منظم منضبط، وأمر الجنرال ماتيوس جنوده أن يؤدوا التحية العسكرية لهم مثل الأبطال المنتصرين.

إعدت قراءة الرسالة عدة مرات، ورددت علية ببضع سطور أذكرها جيدا، بعثتها عن طريق صندوق البريد: -
- أستاذنا العظيم السيد عمرو رجل المعلومات الأهم في مصر والمنطقة، لقد فهمت سر اختيارهم ليوم 25 يناير للتظاهر ضد شرطتنا التي لم ينسوا لها أنها لقنتهم درسا قاسيا لم يتوقعه قادة أقوى جيش في العالم وقتها، لم يسقط من ذاكرتهم بطولة جنود مصطفي وعبد المسيح، الذين مرغوا أنوفهم في الوحل، وسوف أتابع تلك التظاهرات التي يجهزون لها من لندن، وسوف أرسل لك تقريرا بكافة التفاصيل التي أحصل عليها.
** تقبل تحياتي.

الصحفى سام مينا

الاثنين الموافق الرابع والعشرين من شهر يناير عام 2011 الموافق 16 من شهر طوبة عام 6252 فرعوني.
          
تم نسخ الرابط