بقلم حلمي النمنمهناك عدة أحاديث نبوية رويت عن النبى محمد- صلى الله عليه وسلم- بخصوص مصر والمصريين، وهى بالتأكيد ليست أحاديث قدسية، أى الأحاديث التى ينقل فيها النبى عن الذات الإلهية مباشرة، ولكن أحاديث عادية، فيها جانب يتعلق بأمنية أو نبوءة وربما نصيحة لقومه وأتباعه من بعده سيفتح الله عليكم مصر أما بقية الحديث أو الأحاديث، فإننا نلمح فيها أمرا مهما، وهو أن الرسول ما كان ليقول هذا الكلام لو لم يكن على معرفة ليست قليلة بمصر والمصريين، حين يقول استوصوا بأهل مصر
تأمل- مثلا- وصية النبى أن يكفن حين وفاته فى ثوب مصرى، أو القباطى المصرية. لاحظ أيضا أن رسالة النبى إلى المقوقس كانت باللغة العربية، وكان بين المحيطين بالمقوقس، من يعرف العربية، فترجمت إليه الرسالة باللغة القبطية ولنتذكر كذلك وصية أبى بكر الصديق أن تكسى الكعبة بقباطى مصرية، وهذا يعنى أن المعرفة والتواصل كان قائما بين أهل الجزيرة
والمعلومات التى لدينا عن حياة الرسول، فى شبابه شحيحة للغاية، السيرة النبوية تحدثنا بتوسع ليس وافيا، عن طفولته وكفالة جده ثم عمه أبوطالب له، لكن ما إن يبلغ سن الشباب، ويتاجر للسيدة خديجة ثم يتزوجها، لا نقرأ أى شىء عن حياته، سوى مشاركته فى بناء الكعبة، بعد زواجه بعام أو أكثر طبقاً لبعض الروايات وصولا إلى نزول الوحى عليه، وطوال هذه السنوات التى تقترب من 15 عاماً، لا نقرأ شيئاً كبيرا عنها لدى كتاب السيرة، ليس سوى ميله إلى الاعتكاف بعض الوقت سنوياً فى غار حراء، قبل البعثة النبوية مباشرة.
كان الرسول يسافر سنوياً إلى الشام للتجارة، والمعروف أن بلاد الشام كان يتردد عليها كثير من المصريين للتجارة ولغيرها، كما كان بعض أهل الشام إلى الإسكندرية، ولا ننسى أن مصر والشام، آنذاك، كانتا تتبعان الدولة الرومانية. هل التقى الرسول طوال هذه الفترة بمصريين أو تعامل معهم؟ أتصور أن ذلك قد يكون حدث، خاصة أن بعض العرب كانوا يترددون على مصر، من بينهم عثمان بن عفان، عمرو بن العاص، المغيرة بن شعبة، عمرو بن العاص تعرف برجل دين مصرى فى القدس، كان رجل الدين ذهب إلى الحج، ودعا عمرو إلى زيارة الإسكندرية، وأصابه عمرانها وتحضرها بالذهول أو ما يمكن تسميته الصدمة الحضارية، فتمنى أن يعود إليها ثانية، ليس هذا فقط، يقول الدارسون إن الطريق
غير البحر الأحمر كان التواصل بين مصر والجزيرة يتم عبر سيناء فى شقها الجنوبى تحديداً، كانت مصر تستورد اللبان وبعض مواد التحنيط من الهند عبر الجزيرة العربية، لم تكن هناك تجارة مباشرة بين مصر والهند، لكن بضائع الهند كانت تصل إلى الجزيرة.
ويفاجئنا أبى جعفر محمد بن جرير الطبرى فى تاريخه- المجلد الثانى- بأن قبطياً مصرياً يعمل نجاراً، كان مقيما فى مكة، ويبدو أنه كان بارعا فى حرفته، كان أحد الأسباب التى شجعت أهل مكة على أن يقوموا بهدم الكعبة وإعادة بنائها، وعلى حد قول الطبرى فتهيأ لهم فى أنفسهم بعض ما يصلحها.
وكانت هناك سفينة
بالتأكيد، النجار القبطى، المقيم فى مكة والذى كان يشارك فى البناء، تابع هذا المشهد ويعرف ذلك الشاب الذى سيصبح نبيا فيما بعد، والمؤكد أيضاً أن محمداً كان يتابع تفاصيل البناء ويعرف دور ذلك القبطى وأهميته فى عملية البناء، فضلا عن أنه كان مقيماً فى مكة، وسمع الجميع بكفاءته فى مهنته وتميزه، وإخلاصه فى العمل، إلى حد أن يعتمدوا عليه فى بناء دار العبادة المقدسة لديهم.
وإذا كان ذلك النجار أقام هناك، فالمؤكد أنه تعلم العربية وأنهم رأوا منه وسمعوا عن مصر والمصريين، والسؤال هنا: هل كان ذلك النجار هو المصرى الوحيد الذى ذهب إلى مكة وأقام بها؟ ألا يفتح ذلك المجال لافتراض أن هناك مصريين غيره ذهبوا إلى مكة، وربما إلى يثرب أيضا، التى كانت مدينة مزدهرة معمارياً وزراعياً، بعكس مكة التى كان ازدهارها تجارياً فقط، وفى المقابل فإن بين العرب من تردد على مصر.
أحاديث النبى عن مصر والمصريين، ليست كما يتصور كثير من الشراح وليدة الهدية التى بعث بها إليه المقوقس، وهى عسل