نقاط الموضوع (للانتقال السريع)
- حديث المسيح مع التلاميذ
- العظات الإيمانية الرائعة
- التوكل على الله
- بقلم د ناجح إبراهيم
بقلم د. ناجح إبراهيم
* كان يحب أن يذهب إلى الخلوات وفى أحضان الطبيعة الساكنة، كان يذهب مع تلاميذه أحياناً إلى سفح التلال، أو فى الحقول بعيداً عن الناس، كان يجلس مع تلاميذه ويمتد بهم حديث المسيح، عليه السلام، النبى العظيم الموصول بالسماء، يعظهم ويعلمهم، يؤدبهم ويربطهم بربهم ومولاهم الحق سبحانه، فإذا طال الحديث بهم لحقت بهم جموع الناس حتى يغض السهل بالجموع الغفيرة فيواصل حديثه إليهم.
حديث المسيح مع التلاميذ
* كان يحب الذهاب إلى كفر ناعوم، وفى إحدى هذه الجلسات الرائعة سأل مريديه وحوارييه: أتدرون أين بيتى؟ قالوا: أين يا روح الله؟ قال: بيتى المعابد، وطيبى الماء، وأدامى الجوع، وسراجى القمر بالليل، وصلاتى فى الشتاء مشارق الشمس، وريحانى بقول الأرض، ولباسى الصوف، وشعارى خوف رب العزة، وجلسائى الزمنى المرضى مرضاً مزمناً والمساكين، أصبح وليس لى شىء، وأمسى وليس لى شىء وأنا طيب النفس غير مكترث، فمن أغنى منى وأربح؟
* ثم أردف مواصلاً حديثه فى تدفق رائع: لا يستقيم حب الدنيا وحب الآخرة فى قلب مؤمن، كما لا يستقيم الماء والنار فى إناء، طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً، حتى يقتله، إن الشيطان مع الدنيا وفكره مع المال وتزينه مع الهوى واستمكانه عند الشهوات .
* ثم أخذ يرقق قلوبهم ويذكرهم بباب التوبة الذى لا يغلق أبداً فيقول: طوبى لمن بكى من ذكر خطيئته، وحفظه لسانه، ووسعه بيته، طوبى لعين نامت ولم تحدث نفسها بالمعصية، وانتبهت إلى غير إثم .
العظات الإيمانية الرائعة
* وأمام هذه العظات الإيمانية الرائعة بدأت القلوب ترق والأسئلة تتدفق وهو يواصل الحديث والإجابات ويقول: الحق أقول لكم: من طلب الفردوس، فخبز الشعير، والنوم فى المزابل مع الكلاب كثير ، أى يستحق الشكر عليه، أى إن أهل الآخرة هم أهل شكر لله على أقل النعم، بدءاً من خبز الشعير إلى ما هو أعلى، وهذا درس للذين يعيشون فى النعيم ولا يشعرون بنعم الله عليهم ولا يشكرونه سبحانه.

* ويستكمل وصاياه الإيمانية: لا تكثروا الحديث بغير ذكر الله، فتقشعر قلوبكم، فإن القلب القاسى بعيد عن الله، ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا فى ذنوب العباد كأنكم أرباب، وانظروا فيها كأنكم عبيد، فإنما الناس رجلان: معافى ومبتلى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية .
* دروس رائعة لو طبقنا جزءاً منها لاسترحنا وأرحنا، وسعدنا وأسعدنا، وها هو ذا المسيح كأنه يحدثنا عن التوكل الذى غاب عن حياتنا جميعاً فيقول: اعملوا لله، ولا تعملوا لبطونكم، انظروا إلى هذه الطير، تغدو وتروح، لا تحرث ولا تحصد، والله يرزقها، فإن قلتم: نحن أعظم بطوناً من الطير، فانظروا إلى هذه الجماعات من الوحوش والحمر، فإنها تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد، والله يرزقها .
التوكل على الله
* درس عملى من الطير وحيوانات البرية فى التوكل على الله، بعد أخذ الأسباب.
* ثم يعظ الناس مخاطباً القلوب التى اهتم دوماً بتطهيرها لأنه يدرك أن الناس تسير إلى الله بقلوبها، فيقول: عجبت من ثلاث أناس: طالب الدنيا والموت يطلبه، وبانى القصور والقبر منزله، ومن يضحك ملء فيه والنار أمامه، ابن آدم لا بالكثير تشبع، ولا بالقليل تقنع، تجمع مالك لمن لا يحمدك، إنما أنت عبد بطنك وشهوتك، اجعلوا كنوزكم فى السماء، فإن قلب الرجل حيث كنزه .
* وها هو ذا يتحدث عن معادن الذهب والفضة وألا تذهب الحكمة وتعاليم الرسالة السماوية إلى غير أهلها من فساق القلوب وطلاب الدنيا الذين يركبون الدين ليصلوا لمناصبهم وأغراضهم: لا تحدثوا بالحكم غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموها، لا تطرحوا اللؤلؤ إلى الخنزير، فالخنازير لا تصنع باللؤلؤ شيئاً، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها، فإن الحكمة خير من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنزير .
* ويحذر من فساد العلماء والأئمة، وشبههم بملح الأرض فإذا فسدوا فسد المجتمع كله وضاعت منه القدوة والأسوة، ويقول: يا علماء السوء، جعلتم الدنيا على رءوسكم، والآخرة تحت أقدامكم، قولكم شفاء، وعملكم داء، مثلكم مثل شجرة الدفلى، تعجب من رآها، وتقتل من أكلها ، والدفلى شجرة سامة شكلها حسن.
* ويقول المسيح لهم أيضاً: يا علماء السوء، جلستم على أبواب الجنة فلا تدخلوها، ولا تدعون المساكين يدخلونها، إن شر الناس عند الله عالم يطلب الدنيا بعلمه .
* واستمر السيد المسيح، عليه السلام، فى وعظه والناس فى قمة إصغائهم وسعادتهم وكلهم يقول لمن حوله: هذا هو النبى الآتى إلى الناس ، وغابت الشمس وهو مستمر فى وعظه وتوجيههه للقلوب، كان يحدثهم من قلبه فاستقرت مواعظه فى قلوبهم.
* كان هذا يوماً من أيام المسيح، عليه السلام، الدعوية والذى فى آخره طلب منه الحواريون أن يدعو ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء فأكرمهم الله بهذه المائدة بعد هذا اليوم الرائع.