فاطمة ناعوت تكتب..سنبلة على باب بيتي
خاص لموقع الحق والضلال
نشرت الكاتبة والصحفية "فاطة ناعوت " جزء من مقالها " سنبلة على باب بيتي" الذي سينشر قريبا ًفي مجلة "7أيام " فتقول"ناعوت " :"برزت حبّةُ قمح من غلاف سُنبلتها وقالت: حين مررتِ من بوابة الوطن وسرتِ أمامنا، لمحنا خيط دمٍ يتبعُ خُطاكِ ويقتفي أثرَكِ. ما سرُّ تلك الدماء، ما موضعُ نزفها، وما سببُ النزيف؟
أجبتُها في وهنٍ: جرحني عودٌ. نخزَ قلبي بريشته فسال الدمُ. وما عاد قلبي يخفقُ لنايٍ أو لقيثارة. سمعتُ نغمَه الحزين يرنُّ صداه من كهفٍ بعيد، فأسرعتُ الخطوَ صوبَه أحملُ الماءَ في جَرّتي وحبّات الزيتون والكرز وقلبي. وما أن شبع العوّادُ وروى عطشَه، غنّى أغنيةً أخيرة لأغرقَ في الخَدَرِ والغفلة، ثم وخزني في قلبي بريشة عودِه المسنونة، ومضى يُغنّي في دروب أخرى.
قالت قمحةٌ: هاتوه ها هنا أمام ربّة العدل، السُّنبلة الأم، ليخضع للمحاكمة. يا حرّاسُ الحقل، هلمّوا بالعوّاد الخائن.
همستُ في وهنٍ: لا. لا أيتها القمحات الطيبات. لا أحمل له ثأرًا، ولا هوى. منحني أغنيةً، ومنحتُه شربةَ ماء، فأتممتُ عهدي وأتمَّ عهدَه. نسيتُه، وغفرتُ له، وما عادت من ذكراه إلا ومضاتٌ من وجع تغيبُ مع الوقت، ريثما أصلُ عتبة بيتي ستكونُ قد قُضيت. أما خيطُ الدمِ النازف من قلبي، فكما ترين، جافٌّ متجلّطٌ لا سخونةَ فيه، ولا جوى، وما حاجةَ لي به. له مني السلوانُ، ومنكنّ الغفران.