أحمد صبري رئيس البرلمان بخلفية دستورية.. تغيير اسم «دعم الدولة المصرية».. وتجريم التصريحات غير المسئولة لنواب الفضائيات
حالة من "الهوس" أصبحت تنتاب المشهد البرلمانى الحالى، فالكل يرفع راية واحدة "أنا مش معاهم" ليعلن انضمامه إلى تحالف أو ائتلاف ما يسمى بـ "دعم الدولة المصرية" التى لم تتوقف عن الحشد منذ إعلان النتائج غير النهائية للفائزين بحجز مقعد تحت القبة، حتى وصل عدد أعضائها إلى حوالى 400 عضو وهو ما يعنى أغلبية الثلثين داخل البرلمان.
ما حدث يُعيد إلى الأذهان "سيد قراره"، ويصبح زعيم الأغلبية هو المُتحكم فى القرارات وسن القوانين والتشريع وتوجيه الدفة، وكلنا صوت واحد، ومشاهد سابقة، على شاكلة "رفع الأيدي" و"تصفيق"، وهو ما لا نصبو إليه، فمصر تحتاج نائبًا "واعيًا" قويًا وصاحب رؤية حقيقية وله خبرة تؤهله لسن تشريعات قادرة على دفع البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة تشريعيًا وسياسيًا.
فكنا نأمل في وجود أحزاب لديها برامج مختلفة وتتنافس لتنفيذها، وهو لم يحدث ومع ذلك أعتقد أنه يتعين على القائمين على تحالف "دعم الدولة المصرية" بالتوقف عن الحشد لضم أعضاء جدد بين صفوفه حتى تكون هناك مُعارضة تحت قبة البرلمان فوجود معارضة حقيقية يصب دائمًا في صالح المجتمع ويساعد في محاسبة الحكومة على برنامجها الذي سيتم تقديمه خلال الأيام الأولى لانعقاد البرلمان، ومُراقبة أداء الوزراء كما أن دور البرلمانى فى المقام الأول هو المعارضة، وكشف المستور، ومحاربة السيطرة والاحتكار، والتعبير عن الشارع، وسن قوانين فى حق المواطن الغلبان تدافع عنه وتحقق رغباته وآماله التى انتخبه من أجلها، فلم يذهب الناخب الفضائى "النادر" إلى اللجان شبه الخاوية لكى يُعلن ثلثى النواب فى نفس واحد "أنا معاهم" وأمين، وموافق وأبصم بالعشرة "تصفيق".
"دعم الدولة المصرية" تسمية غير مُوفقة كما أنه لا يعنى أنك وطنى أكثر من الآخر ولا يعبر عن كرهك للإخوان وانتمائك، فعلى كل نائب أن يُدرك جيدًا أننا فى فترة تاريخية فارقة تحتاج إلى كل مُخلص وليس إلى كل داعم فكل الأعضاء بالتأكيد يدعمون مصر "كلٌ بطريقته الخاصة"، كما أن هذه التسمية تلِّمح بشكل أو بآخر إلى أن الرافضين للانضمام له سيصنفون في خانة "الخونة" أو "المُتمردين" أو الرافضين لحب الوطن والدولة، وهو بالتأكيد غير صحيح خاصة أن هناك توافقاً بين النواب الجدد على القضايا الرئيسية والقوانين التي سيتم طرحها على البرلمان خلال أيامه الأولى، مع الصلاحيات الواسعة التي يمتلكها البرلمان وفقاً للدستور، والتى تتجاوز البرلمانات السابقة ويشارك رئيس الجمهورية في صناعة السياسات التنفيذية، كما أن الحكومة المقبلة، التي سيختارها رئيس الدولة وستدير البلاد في تلك المرحلة الحساسة، يجب أن تحظى بثقة مجلس النواب، لتحقيق طموحات وأهداف الثورتين، ولا يقتصر دوره فقط على تسهيل وتنفيذ طلبات أهالي دائرته بشقة من الحكومة أو توصية فى وظيفة، فرغم أن ذلك جزء من جموع الشعب، لكنه سيصوت في النهاية على قرارات تحدد مصير مصر.
طموح النواب الفائزين بأعلى الأصوات، في تولي رئاسة البرلمان، بالتأكيد "مشروعة" خاصة وعقب حصول بعضهم على عدد أصوات يفوق ما حصل عليه 100 نائب، ولكن، رئيس البرلمان المصري يجب أن تكون له خلفية دستورية وقانونية كبيرة تؤهلة لتولي هذا المنصب الحسّاس ولكي يكون على دراية كبيرة بمشاريع القوانين ودستوريتها، وحتى لا نقع في فخ "الاختبار" من غير المُؤهلين الذين علت أصواتهم خلال الأيام الماضية رافعين شعار "أنا رئيس البرلمان" رغم أن بعضهم فى حالة ترشحه لم يحصل سوى على صوته بالكاد.
أما التصريحات والتصرفات غير المسئولة التي تصل إلى حد "الشتائم" والتهديد والوعد والوعيد من بعض النواب على الفضائيات فحدِّث ولا حرج، والتى بدت ملامحها تظهر بقوة خلال الفترة الماضية، فيجب أن تتوقف نهائيًا حتى لا تضيع هيبة النائب وبدلاً من أن تكون مهمته مراقبة الحكومة ووضع تشريعات وقوانين مصيرية، تتحوّل مهمته لضيف فى الفضائيات ليحتل مكان النشطاء السياسيين محاولين التبارى فى السُباب والشتائم، ولكي نضمن عدم حدوث ذلك فيجب أن يضع البرلمان آلية لمحاسبة هؤلاء النواب تحت القبة، خاصة بعد أن تصوّر بعض النواب بأنهم أصبحوا فوق القانون "وإحنا معانا حصانة ودخلنا البرلمان بأمر الشعب" وبدأوا في توجيه الشتائم لأعضاء الحكومة، بدلاً من انتقاد سياسة الوزراء والبحث عن حلول.
ووفقًا لما أفرزته البرلمانات السابقة من أعضاء مُنتفعين وتمتعهم بمزايا تفضيلية عن المواطنين العاديين، فيجب على البرلمان والجهات الرقابية وضع رقابة صارمة على النواب الجدد الذين سيحاولون أو يفكرون في الانتفاع من وراء الحصانة والعضوية بالحصول على هذه المزايا.
وما يجب التركيز عليه خلال الفترة القادمة –كما أكدت عليه هنا أيضًا منذ عام ونصف– هو تأهيل أعضاء مجلس النواب الجُدد على الحياة التشريعية، لكي يضمن المصريون مستوى برلمانيًا يليق بمصر، ولا تقتصر على المصالح الضيقة لأبناء الدائرة فالكثير من النواب الجُدد لا يعلمون شيئًا عن أدوات الرقابة البرلمانة ولا الفرق بين "طلب الإحاطة، والسؤال البرلماني، والبيان العاجل، والاستجواب، وسحب الثقة" واقترحت وقتها بأنه يقوم كل نائب بإنشاء مكتب فني تابع له شخصيًا يضم عددًا من الكفاءات وأصحاب خبرة سابقة، على غرار نواب البرلمانات المُتقدمة، لتزويده بكل الأبحاث والمعلومات المطلوبة، وليس لجمع طلبات الأهالي فقط، ويكون هذا المكتب مُتخصص في عدة أمور بينها قضايا الشأن السياسي، والتأمين الصحي، وغيرها من القضايا التي تمس حياة المواطنين الأساسية.