ما هي جهنم؟هل هي مكان جغرافي وعذاب أبدي؟أم هي حالة روحية في العالم الروحي؟

الحق والضلال

للقمص عبد المسيح بسيط ابو الخير
1 – ما هي جهنم؟
تختلف فكرة جهنم في الكتاب المقدس والمسيحية عما هو شائع من أساطير في التراث الشعبي الأسطوري، فقد قام البعض بتخيل رؤى تصور بشاعة وفظاعة عذاب جهنم أو البحيرة المتقدة بنار وكبريت! وصوّر الفنانون جهنم بصورة بشعه مخيفة تقشعر لها الأبدان، فقد صوروها بحفرة هائلة مليئة بالزنازين الفولاذية التي تشتعل فيها النار المتقدة، بل والبحيرة المستعرة التي يفوق لهيبها أي نار عرفها الإنسان! يلقى فيها الخطاة بدون شفقة أو رحمة ويتعذبون بقسوة لا مثيل لها، فيئنون ويصرخون ولا مجيب لهم ويستمرون هكذا إلى ابد الأبدين، أي إلى ما لا نهاية!! كما تفننت الكتب في العصور الوسطى في وصف وشرح بشاعة العذاب في جهنم أو الجحيم الذي يمتزج فيه اللهيب المستعر بالبرد القارس!! كما بينا في التمهيد.
يرى الملحدون في هذه الصورة أنها تقدم الله كالمنتقم الجبار الذي لا رحمة عنده ولا شفقة!! والسادي الذي يتلذذ بتعذيب الخطاة ، الذين فعلوا أخطاء بسيطة أو جسيمة لا تتلاءم أبدا مع هذا العذاب القاسي الذي يستمرون فيه! يتعذبون دائماً وإلى ما لا نهاية!!
وهذه الصورة التي يصفه بها هؤلاء تشوه صورة الله المحب الرحيم العادل، وتجعل الماديين عموماً والملحدين بصفة خاصة يصفونه بالإله السادي والمنتقم الذي كل همه هو التلذذ بتعذيب مخالفيه، بوضعهم في حريق أبدي دون شفقة أو رحمة أو عدل، بما لا يتناسب مع ما فعلوه أو فعله بعضهم من خطايا! وهذا يؤدي بهم للقول بأن مثل هذا الإله لا يمكن أن يتصف بالكمال بل بالنقص! في حين أنه لو كان هناك إله بالفعل لكان يتصف بالحب والكمال والرحمة والغفران، ومن ثم لا يعذب خليقته بمثل هذا العذاب الرهيب، بل بما يتناسب مع ما فعلوه فقط. ومن ثم ينكرون وجود الله ويقولون أنه ليس هناك إله من الأصل لأن الإله لا يمكن أن يكون بمثل هذه الصورة.
بل ويسخر الملحدون من فكرة وجود الله ومن فكرة وجود العذاب الأبدي بقولهم: أن جهنم هي مكان عقاب الاشرار وأن الله سيعاقب هؤلاء الذين لم يستمعوا لوصاياه بإدخالهم في حفره كبيره ترتفع منها ألسنة اللهب الحارق الذي سيحترقون به كل لحظة إلى الابد بدون توقف. فهل يمكن أن يكون الإله بهذه القسوة؟ بل وصارت مثل هذه الأقوال مصدراً للسخرية بل والورقة الرابحة عند كل ملحد فيسخرون قائلين: من هذا الاله الذي يضع شخصاً في حريق أبدي مستعر لأنه لم يستطع أن يحبه؟ ويقول أحدهم؛ أنا كإنسان لا استطيع أن أحرق اصبع أبني أو أي أحد لأنه لم يحبني أو حتي لم يستمع إليّ، وما الفائدة من أن أعاقب علي أفعال وقتيه زمنيه محدودة بعقاب أبدي لا ينتهي؟! حتي أن هذا الاله لا يدعني أحترق وأنتهي بل كلما أحترق جلدي يصنع لي جلداً جديداً حتى تزداد الآلام القاسية والرهيبة ولا تتوقف وليس هناك آمل في الخلاص منها!! ويتساءلون: أي إله هذا وعن أي محبة تتحدثون؟!
قال العالم الشهير البرت أينشتاين (Albert Einstein) أنه يرفض فكرة العذاب الأبدي ويؤمن بإله يظهر نفسة في ترتيب متناغم في الكون: " لا يمكن أن أتخيل أن الله يكافئ ويعاقب خليقته " .
وقال الفيلسوف الوجودي برتراند راسل (Bertrand Russell)؛ لا استطيع أن أكون مسيحياً لأنه: " لا يمكن أن يكون هناك إنسان متعمق يؤمن بالعذاب الأبدي ".
وكما سبق وقلنا في التمهيد لهذا الكتاب أن كل من المؤمن وغير المؤمن والملحد يتساءلون عما تعنيه نار جهنم وما يعنيه العذاب الأبدي؛ هل هي نار حقيقية، أي نار مادية تشتعل بوقود مادي؟! وهل العذاب الأبدي لجميع الأشرار وغير المؤمنين يتناسب مع ما فعله كل واحد منهم؟ وهل يتناسب مع عدل الله غير المحدود وحبه غير المحدود ورحمته غير المحدودة؟ فالكتاب يقول أن الله محبة: " وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ 000 وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي للهِ فِينَا. اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ " (1يو 4 : 8و16). وبسبب حب الله للبشرية فقد أدام لها الرحمة: " وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ " (إر31 :3). وهو رؤوف ورحيم وكثير الرحمة: " الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ " (مز103 :8؛ 145 :8)، " الرَّبُّ حَنَّانٌ وَصِدِّيقٌ، وَإِلهُنَا رَحِيمٌ " (مز116 :5)، ويطلب منا أن نكون رحماء مثله: " فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ " (لو6 :36).

          
تم نسخ الرابط