خاص ..أدهم الشرقاوي ... أكبر بطل مجرم مصري، وطاغية عصره
بقلم نانا جاورجيوس
أدهم الشرقاوي . أكبر بطل مجرم مصري، وطاغية عصره.
هل كان أدهم مجرمًا وإرهابياً أم كان بطلاً شعبيًا كما سخروا من عقولنا وعلمونا في الكتب عنه ؟!
من نفس مجلة اللطائف اكتوبر لسنة 1921وهي ذات السنة التي قتل فيها أدهم ،- يعني الخبر طازج وقتها - نقرأ عن بطل من ورق صنعته أساطير الناس وحكاوي المصاطب كما صنعوا أبطال تاريخية وهمية كعادة المصريين والعرب في حكاويهم الخرافية ! أعتقد لو موجود في أيامنا هذه كان راح حارب في صفوف داعش في سوريا أو العراق وصنعوا منه بطل فاتح كأبطالهم الدواعش التاريخيين غزاة الأوطان من إعتبروهم ( فاتحيين ) وهم سفاحين و قتلة أحفاد قتلة سارقي الأوطان وسافكي الدماء وهاتكي الأعراض !
- صنعوا منه بطل شعبي وألفوا حوله السيرة الشعبية الدرامية والموال بخلاف ما تقول وثائقه الحكومية .
استقرت أسطورة أدهم الشرقاوى فى الوجدان الشعبى، وقد تحولت سيرته لمادة درامية ساقها وصاغها الضمير الشعبى ووثق لها لتشكل فى النهاية إغواء سرديًا لكتاب الموال والرواة الشعبيين
أما ادهم في الرواية الحقيقية و وفق الرؤية الرسمية؟ نحن نجد إجابة واضحة وقاطعة عن هذا السؤال فى مجلة اللطائف عام ١٩٢١والتى نشرت إثر مقتل أدهم الشرقاوى تقول بالحرف: المجرم الأكبر الشقى الطاغية أدهم الشرقاوى بعد أن طارده رجال الضبط والبوليس واصطادوه فأراحوا البلد من شره وجرائمه
دروس السنة الرابعة ثم أخرجه أبوه من المدارس حين لمس عدم استعداده لتلقى العلوم
وفى ١٩١٧ ارتكب حادثة قتل وهو فى سن التاسعة عشرة، وكان عمه عبد المجيد بك الشرقاوى عمدة زبيدة أحد شهود الإثبات.
-وفى أثناء محاكمته أمام محكمة الجنايات سمع أدهم أحد الشهود يشهد ضده فهجم على أحد الحراس بقصد نزع سنجته ليطعن بها الشاهد وحكمت المحكمة على أدهم الشرقاوى بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة فأرسل إلى ليمان طرة، وفى الليمان ارتكب أدهم الشرقاوى جريمة قتل أخرى، فقد تعرف هناك على أحد السجناء وأدرك من كلام هذا السجين أنه القاتل الحقيقى لأحد أعمامه وأنه لم يقبض عليه فى هذه الجريمة التى لم يقبض على أحد فيها لأن مرتكبها ظل مجهولا وإنما قبض عليه فى جريمة أخرى،
ولما عرف أدهم الشرقاوى هذه الحقيقة غافل السجين ذات يوم وضربه على رأسه بالأداة التى يقطعون بها الأحجار فقتله وهكذا حُكِم على أدهم الشرقاوى بالأشغال الشاقة المؤبدة، غير أنه هرب من السجن فى اضطرابات ١٩١٩ واختفى فى مكان ما فى بلده. وهناك انضم إليه عدد كبير من الأشقياء فكون منهم عصابة وأخذ يرتكب الجرائم العديدة، وكان همه الوحيد أن يقتل عمه عبد المجيد بك الشرقاوى، عمدة زبيدة، لأنه كان أهم شاهد فى قضيته الأولى فكان يتربص به فى غيطان الذرة ولكنه عجز عن قتله لأن عمه كان شديد الحذر.
وتقول اللطائف المصورة إن أدهم الشرقاوى ظل يرتكب الحوادث المخلة بالأمن من قتل وسطو ونهب فى ناحية زبيدة حتى يكون ذلك مدعاة رفت عمه من العمدية فلم يفلح أيضا، وعندما كبرت عصابته كان يتم استئجاره لارتكاب جرائم القتل مقابل المال فقتل الكثيرين وكان منهم خفير نظامى بعزبة خلجان سلامة وشقيقه الشيخ أبو مندور وهو من أعيان المركز وآخرون، ثم أخذ يهدد العمد والأعيان ليبتز منهم مبالغ طائلة مقابل المحافظة على أرواحهم فكانوا ينفذون ما يطلب خوفا من بطشه،
وأخيرا هاجم أدهم الشرقاوى مع أحد أعوانه- وكانا ملثمين- الشيخ حسين السيوى وهو من أعيان ناحية كفر خليفة، وكان أدهم الشرقاوى يطارده وهاجمه بينما كان جالسا مع خمسة من أصدقائه أمام منزله يتحادثون ويلعبون الطاولة، وكان ذلك فى الساعة العاشرة صباحا أى فى رابعة النهار، وصرخ فيهم أدهم الشرقاوى وأطلق رصاصة على الشيخ حسين السيوى فأرداه قتيلاً، فدب الرعب فى قلوب الأهالى،
وكان أدهم الشرقاوى يسطو على التجار على قارعة الطريق نهارا ويسلب محافظهم وما يحملون وعندما شاع الرعب بين الناس عززت الحكومة قوات الأمن فى المنطقة وأكثرت من دورياتها، وتخاصم أدهم الشرقاوى مع أحد أقربائه وهو خفير اسمه محمود أبو العلا فوشى به الخفير لدى البوليس ودلهم على مكانه وحين شددت الحكومة النكير على أدهم الشرقاوى وجدّت فى مطاردته تركه أعوانه خوفاً على حياتهم، أما أدهم فلم يخف بل ظل ينتقل بين مراكز ايتاى البارود وكوم حمادة والدلنجات.
وأخيرا أرسل ملاحظ بوليس التوفيقية أحد الجاويشية ويدعى محمد خليل ومعه أومباشى سودانى وأحد الخفراء فكمنوا له فى غيط ذرة بزمام عزبة جلال، وكان أدهم الشرقاوى فى حقل مجاور من حقول القطن يتأهب لتناول غذائه الذى جاءته به امرأة عجوز، وكان يخفر أحد الخفراء النظاميين.
ولما أحس أدهم الشرقاوى بحركة داخل غيط الذرة المجاورة أطلق عدة طلقات من بندقيته الماروز دفاعا عن النفس ولكن الجاويش محمد خليل أطلق عليه رصاصتين فسقط قتيلا قبل أن يتناول شيئا من طعامه ووجدوا معه نحو مائة طلقة وخنجرا وتقول اللطائف المصورة أن أدهم الشرقاوى (لم يكن قوى العضلات بدرجة تمكنه من ارتكاب هذه الجرائم، ولكنه من أجرأ اللصوص والقتلة فلا يبالى بالحكومة ولا ببطشها)، وفى عدد اللطائف صورة لأدهم الشرقاوى أخذت له بعد٢٥ ساعة من مصرعه التقطها له مصوراتى البحيرة الخواجة فؤاد نجم بدمنهور.
هذه قصة أدهم الشرقاوى بحذافيرها كما وردت من مجلة اللطائف المصورة فى عام ١٩٢١- ومنها يتضح أن صورة أدهم الشرقاوى عند معاصريه كانت على الأقل كما صورتها الصحافة بناء على بيانات الحكومة، إنه مجرم أثيم وسفاح رجيم وهى عكس صورته فى الموال الشهير، وهى أنه كان يقتل من أجل الشرف ويسرق من أجل الفقراء.
فأين الحقيقة؟ المدهش أنه بإمكاننا قراءة ملامح حقيقية من بين ثنايا الرواية الرسمية فنستطيع أن نلاحظ مثلا أنه ينتمى لأسرة طيبة وكبيرة ومعروفة كما أنه أصاب درجة من التعليم، ورغم أن الوصف الرسمى لا يذكر شيئا عن هوية أبيه ومكانته فى قومه ومبلغ ثرائه إلخ.