تذكار نياحة القديس أنبا أغسطينوس

تذكار نياحة القديس أنبا أغسطينوس: هل تعرف سيرة حياة شفيع التائبين وأبن الدموع؟

تذكار نياحة القديس
تذكار نياحة القديس أنبا أغسطينوس

في 28 أغسطس 2024، تحتفل الكنيسة القبطية بتذكار نياحة القديس أنبا أغسطينوس، شفيع التائبين وأبن الدموع، الذي يُخلد في الذاكرة ليكون نموذجاً للإيمان والتوبة. يعد القديس أغسطينوس واحداً من أعظم الآباء الروحيين في تاريخ الكنيسة، وسيرته تعد مصدر إلهام للعديد من المؤمنين حول العالم. في هذا المقال، نستعرض حياة القديس أنبا أغسطينوس، ونفصل مسيرته الروحية وتأثيره الكبير على الكنيسة والعالم المسيحي.

ميلاده ونشأته

وُلد القديس أنبا أغسطينوس في 13 نوفمبر 354 م. في مدينة تاجست بنوميديا، التي تقع في شمال إفريقيا. كان والده باتريكبوس وثنيًا معروفًا بسوء الأخلاق، بينما كانت والدته مونيكا مسيحية صبورة تحملت الكثير من المشقات بسبب تصرفات زوجها وسلوكياته. على الرغم من التحديات، استمرت مونيكا في الصلاة من أجل ابنها، وبتأثير دعائها وتفانيها، كان لها دور كبير في تغيير حياته.

الشباب والحياة المبكرة

تلقى أغسطينوس تعليمه الأولي في مسقط رأسه، حيث كان يتمتع بذكاء كبير لكنه عُرف بالكسل وسوء السلوك. عندما بلغ السادسة عشرة من عمره، أرسله والده إلى قرطاجنة لمواصلة دراسته في البيان، وهو مجال كان يشغل اهتمامه. في قرطاجنة، تأثر بأصدقاء سيئين، مما قاده إلى حياة مملوءة بالفساد والانغماس في الملذات.

التحول الروحي

كانت حياة أغسطينوس مليئة بالبحث عن الحقيقة، لكنه وقع في قبضة المانوية، وهي حركة هرطقية كانت تنتشر في ذلك الوقت. ومع ذلك، بدأت حياته تأخذ منحى جديداً عندما قرأ كتاب "هورطانسيوس" لشيشرون، الذي أثار فيه الرغبة في العفة والبحث عن الحق. ورغم أنه قرأ الكتاب المقدس، إلا أنه كان يتمتع بكبرياء كبير، مما منعه من تقدير عمق النصوص الروحية.

في وقت لاحق، حدث تحول عميق في حياته بفضل التأثير الروحي للقديس أمبروسيوس، أسقف ميلان. التقى أغسطينوس بالقديس أمبروسيوس، الذي كان له تأثير كبير على حياته الروحية. من خلال عظات أمبروسيوس وتفسيراته للكتاب المقدس، بدأ أغسطينوس يدرك عمق الإيمان المسيحي وأهمية الكنيسة.

التأثير العميق للقديس أمبروسيوس

أثر القديس أمبروسيوس بشكل كبير على أغسطينوس، حيث كان يستمع إليه بانتظام، مما ساعده في تجاوز المانوية والاقتراب من الإيمان المسيحي الحقيقي. مع مرور الوقت، أصبحت أفكار أغسطينوس أكثر وضوحًا، وأصبح قادراً على رؤية علامات الكنيسة كدليل على أنها من الله. أدرك أن الكنيسة تحقق نبوات العهد القديم، وتظهر الكمال الروحي، والمعجزات، وانتشارها رغم الضيق.

تذكار نياحة القديس أنبا أغسطينوس

التعميد والتكريس للخدمة

في عام 387 م، قرر أغسطينوس أن يُكرس حياته بالكامل لخدمة الله. بعد أن تم تعميده على يد القديس أمبروسيوس، قرر ترك مهنة التدريس والانتقال إلى حياة من العبادة والخدمة. انتقل مع والدته وصديقه أليبوس إلى كاسيكاسيوم بجوار ميلان، حيث قضى ستة أشهر في الاستعداد للعماد.

عاش أغسطينوس حياة متواضعة، وأسس ديراً للرجال والنساء، وكرّس نفسه لدحض البدع وتعليم الإيمان الصحيح. كانت حياته مملوءة بالعمل الجاد من أجل نشر كلمة الله، والتصدي للأخطاء والهرطقات التي كانت تهدد الكنيسة في ذلك الوقت.

التحديات والتأثيرات

على الرغم من أن القديس أغسطينوس واجه العديد من التحديات، بما في ذلك المعارضة من الهراطقة ومحاولاتهم لزعزعة استقرار الكنيسة، إلا أنه ظل ثابتاً في إيمانه. كان يشتهر بحبه الشديد للفقراء، واهتم بشكل خاص بمساعدة المحتاجين، حتى أنه كان يبيع ممتلكات الكنيسة لتوزيعها عليهم. كانت أعماله ومؤلفاته الجدلية ضد أتباع المانوية والبيلاجيين والأوريجانيين تتسم بالقوة والفعالية، مما ساعد في توجيه الكنيسة نحو الإيمان المستقيم.

كتابات القديس أغسطينوس

كتب القديس أغسطينوس العديد من الأعمال الأدبية والدينية التي أثرت بشكل كبير على الفكر المسيحي. من بين أشهر كتبه "الاعترافات" و"الرد على الأكاديميين" و"الحياة السعيدة". كما كتب أعمالاً جدلية ضد اليهود والوثنيين وضد أتباع المانوية، وأيضاً كتباً في تفسير الكتاب المقدس، بما في ذلك تفسير سفر التكوين والمزامير، والرسائل إلى يوحنا وبولس.

النياحة والإرث

توفي القديس أنبا أغسطينوس في عام 430 م، عن عمر يناهز 76 عامًا، بعد حياة مليئة بالجهود الروحية والكتابية. ترك خلفه إرثاً غنياً من الكتابات التي لا تزال تُعَد مرجعًا هاماً في الفكر المسيحي. كانت دموعه وصبره رمزاً للإيمان القوي والتفاني في خدمة الله.

بركة القديس أنبا أغسطينوس

بركة القديس أنبا أغسطينوس تكون معنا جميعًا، آمين. ولربنا المجد دائماً أبديًا، آمين.

          
تم نسخ الرابط